الصوفيةِ كالبُخور يُحرقُ أمامَ مَذبَحٍ من مذابح النصرِ الباهر، ومررتُ بمئةِ جثةٍ بجانبِ حائطٍ قُضي عليهم بأشكالٍ مختلفة، وما فررتُ من هذا المنظر حتى تَمثَّلَتْ أمامَ عيني عائلةٌ عربية قُتلت عن آخِرِها وهي تستعدُّ للطعام، ورأيتُ طفلةً صغيرةً أَدخلت رأسَها في صندوقٍ حتى لا ترى ما يَحِلُّ بها وبأهلِها .. إن الإيطاليين فَقَدوا عقولَهم وإنسانيتَهم من كلَّ وجه".
٥ - قال المستر "إليس إشميد برتلت" مراسِل شركة "روتر" في رسالةٍ بَعث بها من "مالطة" يَصِفُ فيها ما شاهَده بعينه هو والمستر "كرانت" مراسل "الديلي ميرور" والمستر "انيس" مراسل "المورننغ بوست"، وقد سُجِّلت هذه الرسالةُ في دائرةٍ رسميةٍ إنكيلزيةٍ تحت توقيعهم:
"صادَفْنا بمجردِ خروجِنا من المدينة جماعةً -بين رجالٍ وأولادٍ لا يَقِلُّ عددُهم عن السبعين- قُتلوا بدون محاكمة، وكنَّا نُشاهدُ في طريقِنا بعدَ كلِّ بضع خُطواتٍ جُثثَ القتلى في كلِّ مكان، قُتل بعضُهم برؤوسِ الحراب، والبعضُ ضربًا، وآخرون جُرحوا وماتوا على إثرِ جراحِهم .. وأبصَرْنا على مسافةٍ قريبةٍ خمسين رجلاً ووَلدًا هَلَكوا بالرصاصِ والسيوف، وشاهدنا رؤوسًا مهشَّمةً .. ومن المشاهِدِ التي رأيناها:
أ- شيخٌ عربيٌّ عاجزٌ، بينما هو جالسٌ بقُربِ مدرسةِ الزراعة، إذ اتخذته طائفةٌ من الجُندِ الإيطالي هدفًا لرصاصِ بنادقهم فمات.
ب- سَمِعنا فجأةً صوتَ عِيارٍ ناريٍّ، فعَلِمنا أنه أُطلق على رجلٍ خرج من منزله، فسَقط والدمُ يتدفَّقُ منه، وخَرَجت زوجتُه وبيدها إناءٌ فيه ماء .. لعلها تريدُ أن تَسقِيَه أو تَغسِلَ جِراحه .. فلما رأتنا نَكَصَتْ على أعقابها