للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ٦٣]:

° قال ابن كثير: "أي: ألم يتحقَّقُوا ويَعْلموا أنه مَن حادَّ اللهَ عز وجل -أي شاقَّه وحارَبَه وخالفه، وكان في حدٍّ والله ورسوله في حدٍّ- (فَأنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فيهَا}، أيْ: مهانًا مُعَذبًا!! و {ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}، أي: وهذا هو الذلُّ العظيمُ والشقاءُ الكبير" (١).

° وقال ابن القيم: "جَعَلهم بهذا محادِّين، ومعلوم قطعًا أنَّ مَن أظهر مَسَبَّةَ اللهِ ورسوله، والطعنَ في دينه أعظمُ محادةً له ولرسوله، وإذا ثبت أنه محادٌّ فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة:٢٠]، و"الأذلُّ" أبلغُ منَ "الذليل"، ولا يكونُ أذلَّ حتى يخافَ على نفسه ومالِه؛ لأن مَن كان دمُه ومالُه معصومًا لا يُستباحُ فليس بأذلَّ؛ يدلُّ عليه قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاس} [آل عمران: ١١٢]، فبيَّن سبحانه أنهم أينما ثُقِفوا فعليهم الذِّلةُ إلاَّ مع العهد، فعُلِم أنَّ مَن له عهد وحَبل يأمنُ به على نفسه وماله لا ذِلَّةَ عليه، وإنْ كانت عليه المسكنةُ؛ فإنَّ المسكنة قد تكون مع عدم الذلَّة، كما دلَّت عليه الآية، وهذا ظاهرٌ، فإن الأذلَّ ليس له قوةٌ يَمتنعُ بها ممَّن أراده بسُوء، فإذا كان من المسلمين عَهدٌ يجبُ عليهم به نَصرُه ومنعُه فليس بأذَلَّ، فثَبَت أن المحادَّ لله ورسوله لا يكونُ له عهدٌ يعصمه" (٢).

* {قُل أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ}:

* قال تعالى: {وَلَئِن سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ


(١) "تفسير ابن كثير".
(٢) "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (٢/ ٨٢٥ - ٨٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>