° ودعا البابا أوربانُ الثاني الجماهيرَ الصليبيةَ وخَطَبهم في مؤتمرهم وهو على باب كنيسة "كليرِمون" في نوفمبر (١٠٩٥ م- شوال ٤٨٨ هـ) قائلاً: "يا شعبَ الفرنجة! شعبَ اللهِ المحبوبَ المختار، لقد جاءت من تُخومِ قلسطين" ومن مدينة القسطنطينية أنباءُ مُحزِنةٌ تُعلِنُ أن جنسًا لعينًا -أبعدَ ما يكونُ عن الله- قد طغَى وبَغَى في تلك البلادَ -بلادِ المسيحيين-، وخَربها بما نَشَره فيها من أعمال السلب والحرائق، ولقد ساقوا بعضَ الأسرى إلى بلادهم وقَتلوا بعضهمُ الآخرَ بعد أن عَذبوهم أشنَعَ تعذيب، وهم يَهدِمون المذابحَ والكنائسَ بعد أن يُدنَّسوها برِجْسهم؛ ولقد قطُعوا أوصالَ مملكةِ اليونان، فانتزعوا منها أقاليمَ بَلَغ من سَعَتِها أن المسافرَ فيها لا يستطيعُ اجتيازَها في شهرَينِ كاملَيْن.
عَلَى من تقعُ تَبِعةُ الانتقامِ لهذه المظالم، واستعادة تلك الأصقاع، إذا لم تَقَع عليكم أنتم؟! أنتم يا مَنْ حباكم "اللَّه ُ-أكثَر من أيَّ قوم ٍآخرين- بالمجدِ في القتالِ وبالبسالةِ العظيمة، وبالقدرة على إذلال رؤوسِ مَن يقفون في وجوهكم؟!.
ألا فليكنُ من أعمالِ أسلافكم ما يُقوَّي قلوبَكم -أمجاد شارلمان وعظمته، وأمجاد غيرِه في ملوككم وعظمتم-، فليُثِرْ همّتَكم ضريحُ المسيح المقَّدس ربنَّا ومُنقذنا، الضريحُ الذى تمتلكُه الآن أممٌ نجسة، وغيره من الأماكن المقدَّسة التى لُوثَّت ودُنَّست لا تدعوا شيئًا يقعدُ بكم عن أملاككم أو من شؤون أُسَرِكم، ذلك بأن هذه الأرضَ التي تسكنونها الآن -والتي تُحيطُ كلها عن جميع جوانبها البحارُ وقُلَلُ الجبالِ- ضيقةٌ لا تتَّسع لسكَّانها