لا تنظرُ المتبرجةُ -حين تتبرجُ- في مرآتها إلاَّ إبتغاءَ أن تتعهَّدَ من جمالها ومن جسمِها مواقعَ نظراتِ الفجور وأسبابِ الفتنة، وما يَستهوي الرجلَ وما يُفسِدُ العفَّة عليه، فكأن المتبرجةَ وخيالَها في المرآة رجل فاسقٌ ينظرُ إلى امرأة، لا امرأة تنظر إلى نفسها، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكرُونَ}[الأعراف: ٢٦].
لقد كان العُرْيُ وتكشُّفُ السوآت، والخَصفُ من ورق الجنة ثمرةً لمعصية الله، وفي مواجهةِ مشهدِ العُري الذي أَعقب خطيئةَ آدم، ومواجهةِ العري الذي كان يزاولُه المشركون في الجاهلية، يذكر السياقُ في هذا النداءِ نِعمةَ اللهِ على البشر، وقد عَلَّمهم وَيسَّر لهم، وشَرعَ لهم اللباسَ الذي يَسترُ العوراتِ المكشوفة، ثم يكون زينةً بهذا السِّترِ وجمالاً، بدل قُبح العُريِ وشناعته.
واللباس: قد يُطلَقُ على ما يُواري السوأة، وهو اللباس الداخلي. والرياش: قد يُطلَقُ على ما يسترُ الجسمَ كلَّه ويَتجمَّلُ به، وهو ظاهرُ الثياب، كما قد يُطلق "الرياش" على العيش الرغد، والنعمةِ والمال، وهي كلُّها معانِ متداخلةٌ متلازمة.