دعا إليها هذا النبي، ظَلَّت سراجًا منيرًا أربعةَ عَشَرَ قرنًا من الزمان، لملايينَ كثيرةٍ من الناس، فهل من المعقول أن تكونَ هذه الرسالةُ التي عاشت عليها هذه الملايينُ وماتت، أكذوبةَ كاذبةً، أو خديعةَ مُخادع؟ ولو أن الكَذِبَ والتضليلَ يَرُوجانِ عند الخَلقِ هذا الرَّواجَ الكبيرَ، لأصبحت الحياةُ سُخفًا وعبثًا، وكان الأجدرُ بها ألاَّ توجد.
هل رأيتم رجلاً كاذبًا يستطيعُ أن يَخلُقَ دينًا، ويتعهَّدَه بالنشرِ بهذه الصورة؟!.
إن الرجلَ الكاذبَ لا يستطيعُ أن يَبنيَ بيتًا من الطوب، لجهلِه بخصائصِ موادِّ البناء، وإذا بناه فما ذلك الذي يَبنيه إلا كَومةً من أخلاطِ هذه المواد، فما بالُك بالذي يَبني بيتاً دعائمُه هذه القرونُ العديدة، وتَسكنُه هذه الملايينُ الكثيرةُ من الناس؟!.
وعلى ذلك، فمن الخطإ أن نَعُدَّ محمدًا رجلاً كاذبًا متصنِّعًا متذرِّعًا بالحِيَلِ والوسائل لغايةٍ أو مَطْمَع، أو يَطمحُ إلى درجةِ مَلِكٍ أو سلطانٍ أو غيرِ ذلك من الحقائرِ والصغائر .. وما الرسالةُ التي أداها إلاَّ الصدقُ والحقُّ الصُّراحُ، وما كَلِمته إلاَّ صوتُ حق صادقٍ صادرٍ من العالَم المجهول .. كلاَّ، ما محمدٌ بالكاذب، ولا الملفِّق، وإنما هو قطعةٌ من الحياة قد تفطَر عنها قلبُ الطبيعة، فإذا هو شهابٌ قد أضاء العالَمَ أجمعَ، ذلك أمر الله .. وذلك فَضلُ اللهِ يؤتيه من يشاء.
أُحبُّ محمدًا لبراءةِ طبعِه من الرياء والتصنُّع، ولقد كان ابنَ الصحراء، مستقلَّ الرأي، لا يَعتمدُ إلاَّ على نفسه، ولا يَدَّعي ما ليس فيه،