الأسرارُ في هذه الكنائسِ الفخمة! ولعلَّه من الواجب عليهما أن يَدرُسَا بتمعن كتابَ "تعاليم أساسيات العقيدة" الذي تُصدِرُه الكنيسةُ، وأن يَدرُسَا كذلك شروحَ المفسرين وتعليقاتِهم على ما كتباه، وعلى كلماتِ مُعلِّمِهما!.
لقد قاوم المسلمون باستمرارٍ غِوايةَ النزولِ بجوهرِ إيمانِهم وعبادتِه إلى مستوى حواس الإنسانِ وتخيلاته، وإن إعلانَ الإسلام البسيطَ الثابتَ بلا تغير هو:"أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وأن محمدًا رسولُ الله" .. إن الصورةَ الذهنيةَ عن الإلهِ لم تَنحط على الإطلاق إلى صورةِ صنم يُرى، وإن مظاهرَ التكريم للنبى لم تَتجاوزْ أبدًا معاييرَ الفضائل البشرية، ولقد أبقَتْ تعاليمُه الأخلاقيةُ الحية اعترافَ تلاميذِه بفضلِه في حدودِ العقل والدين.
لقد أُثيرت في مدارسِ المسلمين الفكريةِ تلك الأسئلةُ التي تتعلقُ بما وراءَ الطبيعة عن خواص الإلهِ وحريةِ الإنسان، كما أُثيرت في مدارسِ المسيحيين، لكنها عند المسلمين لم تَشغَلْ أبدًا عواطفَ الناس، ولم تُعكِّرْ صَفْوَ الدولة.
إن سببَ هذا الاختلافِ الهام بين الفِكرِ المسيحيِّ والفكرِ الإسلامي، يُمكنُ إرجاعُه إلى مبدإ الفصل بين الشخصياتِ القائمةِ بأمورِ المُلْك، والشخصياتِ القائمةِ بأمورِ الكهنوت، أو مبدإ التوحيد بينهما.
لقد كان اهتمامُ الخلفاءِ الذين تَولَّوا الحكمَ بعد النبي، وكانوا أمراءَ المؤمنين: أن يَكبِتوا البِدَعَ الدينية، ذلك أن الرَّهْبَنةَ وطموحَ الإكليروس الزمني والروحي غيرُ معروفٍ عند المسلمين، وإن فقهاءَ الشريعةِ هم مُرشِدوهم وِفقَ الضميرِ والعقل، وهم المُجيبون على الأسئلةِ المتعلقةِ بأمورِ دينِهم.