القسوةِ الدنيئة، وأنه لَم يَألُ جَهدًا -في الغالب- في تقويم مَن يجورُ من أصحابه، وكل يَعلمُ أنه رَفَض بعد غزوة "بدر" رأيَ عمرَ بنِ الخطاب في قَتل الأسرى، وأنه عندما حَل وقُتُ مُجازاةِ بني قُريظةَ تَرَك الحُكمَ في مصيرِهم لحليفِهمُ القديم سعدِ بنِ معاذ، وأنه صَفَح عن قاتِل عمه حمزة، وأنه لَمِ يَرفضْ قَط ما طُلب إليه من اللطف والسماح، وليس بمجهولِ أن خالدَ بن الوليد -الذي كان من أشجع قُؤَادِه- لَم يستطعْ أن يَرعويَ -بعد إسلامه- عن رُوح القسوةِ والصَّولةِ التي كانت تُلازمُه في زمنِ الجاهلية، فلاحت له الفرصةُ بأن يثأرَ لقريبهِ القتيل، فأثخَنَ في بني خُزيمة، فأجمِعَ المسلمون على استفظاع عَمَلهِ، فلما نُبِّئ محمد بما صَنَع خالد، أسرع في ذمه جهارًا، فرفع يَدَيه إلى السماء قائلاً:"اللهم إنِّي أبرأ إليك مما صَنَع خالد" .. ".
° وقال في كتابه "خلاصة تاريخ العرب" (ص ٥٤): عن نوم عليٍّ -رضي الله عنه- في فِراشِ النبي وحِفظ الله له: "دعا محمد ابنَ عمه عليًّا، وأمره أن ينامَ على فراشه، مُتَّشِحًا ببُرد، فدَفع اللهُ شرهم عنه، وهو أوْلى أن يَحفظَ نبيه القائمَ بالدعوة له، وأحق أن يَجعلَ كَيدَهم في نحورهم، وما زال آخذًا بيمينه، حتى غنَّى له الزمنُ وصفق له الدهر".
° ثم قال: "وبعدَ ظهور محمدِ - صلى الله عليه وسلم - الذي جَعل مِن قبائل العربِ أُمة واحدةً، تقصِدُ مقصدًا واحدًا، ظهرت للعيانِ أمة كبيرة مَدَّت جَناحَ مُلكِها من "نهر تاج" في إسبانيا حتى (نهر المانج) في الهند، ورَفعت على منارِ الإشادة أعلامَ التمدن في أقطار الأرض أيامَ كانت أوربا مُظلِمةً بجهالاتِ أهلِها في القرون المتوسطة".