° قال السيوطي في كتابه "تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء" -وهو كتابٌ جليل- أن رجلاً سَبَّ آخَرَ بأنه راعٍ، فقال له: ما مِن نبيٍّ إلاَّ رعى الغنم بجمعٍ من العامة.
° فقال قاضي القضاة المالكي:"لو رُفع لي هذا ضربته بالسياط"، فلما سُئلت عنه أجبتُ بأنه يُعذَّرُ أبلغَ تعزير؛ لأنه لا ينبغي ضَرْبُ آحادِ الناس مثلاً لنفسه بالأنبياء، والمستدِلُّ بمثله قد يكونُ في مقامِ التدريسِ والإفتاءِ والتصنيف، وبيانُ العلم لأهلِه لا يُنكَرُ عليه، إمَّا في مقام الخصام والتبرِّي عن مَعَرَّةِ نقصٍ نُسَبٍ له أو لغيره، فهو محلُّ الإنكارِ والتأديبِ لا سيَّما بحضرةِ العوام وفي الأسواق، فهو سبٌّ وقذف، ولكلِّ مقامٍ مقالٌ يناسبه.
وسُئل الحافظُ ابنُ حجر: عمَّا يَقعُ في المَوَالِدِ من الوُعَّاظِ بين العوامِّ مِن ذِكرِ الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، بما يُخِلُّ بالتعظيم، حتى يَحصُلَ لسامِعه رِقَّةٌ وحُزن، كقولهم:"إن المَراضعَ لم تأخُذْه - صلى الله عليه وسلم - لعدم مالِه حتى أَخذَتْه "حليمةُ" شفقةً عليه"، ويقولون:" إنه كان يَرعى غنمًا"، وينشدون في ذلك:
بأغنامِه سار الحبيبُ لكي يَرعَى … فيا حبَّذا راعٍ فؤادي له يَرعى
فأجاب بأنه ينبغي أن يُحذَفَ من الخبر ما يُوهِمُ نقصًا، وإن لم يَضُرَّه، بل يجبُ ذلك" انتهى (١).
(١) انتهى مُلَخَّصًا من "نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض" لشهاب الدين أحمد ابن محمد الخفاجي (٦/ ١٤٦ - ١٦٤) - دار الكتب العلمية.