للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: إني أستثني عليك مَعَرَّةَ الجيش مرتين، قال: لك ثُنْيَاك (١) وقَبَّحَ الله من أقَالَكَ (٢)، فلما فرغ عمرُ من الكتاب قال له: يا أميرَ المؤمنين، قُمْ في الناس فأخبِرْهم الذي جَعَلْتَ لي، وفرَضْتَ عَلَيَّ؛ ليتناهَوْا عن ظُلْمي، قال عمرُ: نعم، فقام في الناس، فحمدَ الله وأثنى عليه، فقال: الحمدُ لله أحمدُه وأستعينه، مَنْ يَهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلل فلا هاديَ له، فقال النَّبَطيُّ: إن اللهَ لا يُضِلُّ أحدًا، فقال عمرُ: ما يقول؟ قالوا: لا شيءَ، وعاد النبطيُّ لمقالته، فقال: أخبرني ما يقول، قال: يزعمُ أن اللهَ لا يُضِلُّ أحدًا، قال عمر: إنا لم نُعطِكَ الذي أعطيناك لتدخلَ علينا في ديننا، والذي نفسي بيده لَئِنْ عُدتَ لأضربنَّ الذي فيه عيناك، وأعاد عمرُ، ولم يَعُدِ النبطيُّ، فلمَّا فرغ عمرُ أخذ النبطيُّ الكتاب"، رواه حرب (٣).

فهذا عمرُ - رضي الله عنه - بمَحْضرٍ من المهاجرين والأنصار يقولُ لمن عاهده: "إنا لم نُعطِكَ العهدَ على أن تدخلَ علينا في ديننا"، وحَلَفَ لئن عاد ليضربَنَّ عنقه؛ فعُلم بذلك إجماعُ الصحابة على أن أهلَ العهدِ ليس لهم أن يُظهِروا الاعتراضَ علينا في ديننا، وأن ذلك منهم مُبِيحٌ لدمائهم.

وإنَّ من أعظمِ الاعتراض سَبَّ نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ظاهرٌ لا خَفَاء به، لأن إظهارَ التكذيب بالقَدَرِ من إظهار شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وإنما لم يَقتُلْه عمرُ؛ لأنه لم يكن قد تقرَّر عنده أن هذا الكلامَ طَعْنٌ في


(١) لك ثُنْياك، أي: لك ما استثنيت. والثَّنْيا: هي أن يُسْتَثْنَى في العقد شيء. ينظر: "النهاية" (١/ ٢٢٤) (ثنا).
(٢) أقالك، أي: فسخ عهدك ونقضه. ينظر: "النهاية" (٤/ ١٣٤) (قيل).
(٣) ورواه المعافى بن زكريا الجريري في كتابه "الجليس الصالح" (٣/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>