عليه ثم فَعَلَه، لَم تَجُزْ عقوبتُه عليه، وإذا كنا قد عاهدناه على أن لا يَطعنَ في ديننا، ثم طَعَن في ديننا، فقد نَكَث في يمينه مِن بعدِ عهدِه وطَعَن في دينِنا، فيجبُ قتلُه بنصِّ الآية، وهذه دلالةٌ قويةٌ حسنة.
الوجه الثالث: أنه سَمَّاهم "أئمةَ الكفر" لطعنهم في الدين، وأوقَعَ الظاهَر موقع المُضْمَر؛ لأن قوله:{أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} إمَّا أن يَعْنيَ به الذين نَكثوا وطعنوا، أو بعضهم، والثاني لا يجوزُ؛ لأن الفعلَ الموجِبَ للقتال صَدَرَ من جميعهم، فلا يجوزُ تخصيصُ بعضِهم بالجزاءِ؛ إذِ العِلَّةُ يجبُ طَرْدُها إلاَّ لمانعٍ -ولا مانع-، ولأنه عَلَّل ذلك ثانيًا بأنهم لا أيمانَ لهم، وذلك يَشملُ جميعَ الناكثين الطاعنين، ولأن النَّكث والطعن وَصفٌ مشتق مناسب لوجوب القتال، وقد رُتِّبَ عليه بحرفِ "الفاء" ترتيبَ الجزاء على شرطه، وذلك نصٌّ في أن ذلك الفعلَ هو الموجبُ للثاني؛ فثَبَت أنه عَنى الجميع، فيلزمُ أن الجميعَ أئمةُ كفرٍ، وإمامُ الكفر هو الداعي إليه المُتّبَعُ فيه، وإنما صار إمامًا في الكفرِ لأجلِ الطعن، فإنَّ مجرَّد النكث لا يُوجِبُ ذلك -وهو مناسِبٌ -، لأن الطاعنَ في الدين يَعيبُه وَيذُمُّه ويدعو إلى خلافه، وهذا شأنُ الإمام، فثَبَت أن كل طاعنٍ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فإذا طعن الذميُّ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فيجبُ قتالُه لقوله تعالى:{فَقَاتلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، ولا يمينَ له؛ لأنه عاهَدَنَا على ألاَّ يُظهِرَ عَيْبَ الدين هنا وخَالَفَ، واليمين هنا المراد بها: العهودُ -لا القَسَمُ بالله-، فيما ذكره المفسرون (١)،