أَخْزَى الذي سَمَك السماءَ بناءَكُم … يَا أيُّها السُّفَهَاءُ والأنذَالُ
أحْلَامُ هَرْطَقَة، وَخِسَّةُ قَاصِرٍ … رَسَمَ الحقيرُ وشَبَّه المُحْتَالُ
لا ليسَ في رَسمِ الخَسِيسِ بلاغةٌ … إِنَّ البلاغةَ في الحبيبِ تُقَالُ
فهو الكريمُ إذا الكِرَامُ تَعَاظَمَتْ … عِنْدَ الزِّحَامِ، وَعزَّت الأحْمَالُ
وَهْوُ الفَصِيحُ إِذَا الفصاحةُ أيْنَعَتْ … سَالَتْ بِعَذْبِ حَدِيثِه الأقْوَالُ
فَبِذِكرِهِ كَانَ الغُدُوُّ رِياضَنا … ومع الغُدُوِّ تَمَازَجَتْ آصَالُ
وَبِمَدْحِهِ مُهَجُ القُلُوبِ تَرنَّمَتْ … وتَرَاقَصَتْ طَربًا لَهُ الأوْصَالُ
يا أيُّها المُختارُ حَسْبُك رُتْبَةٌ … مهما تَعَمْلَقُ لَم يَصِلْكَ خَيَالُ
فَالْكُلُّ خَلْفَك وَاجِمُونَ كَأنَّهُم … كُبتوا تَشُدُّ وُجوهَهم أحْبَالُ
خُيِّرْتَ بَيْنَ الخَمْرِ واللَّبنِ الذي … فُطِرَتْ عليهِ مِنَ الورى الأجيالُ
فاخْتَرْتَ فِطرةَ أُمَّةٍ لَمَّا تَزَلْ … خَيرَ القُرونِ فَتِيَّةً تختالُ
وَبَنَيْتَ للإسلامِ صَرْحًا شامِخًا … طالَ السَّمَاءَ فَكَيْفَ ذَاكَ يُزَالُ
أضْحَتْ به بغدادُ نِجْمَةَ عَصْرِها … ضَاءَتْ إذا غَرَب الجنوبَ شمالُ
وَمَشَى السَّحَابُ لِكَي يُفَارِقَ أرْضَها … فَمَشَتْ تُوازِي ظِلَّهُ الأجْيَالُ
وتتابَعَ العُلَماءُ حتى أزْبَدَتْ … سُوحُ البِطاح فَحِمْلُهُنَّ ثِقَالُ
ذَاكَ ابن سينا والفَرَابيُّ الذي … لو زِين زانت عُشْرَهُ الأثقالُ (١)
وَلدحْيةَ الكَلِبْيِّ إِذْ بَسَطَتْ لَهُ … شُمُّ القياصِرِ كِبْرَها الأمثالُ
لَغَسَلْتُ دُونَ الكعبِ لو سَنَحَتْ لنا … لُقْيَا الأمِينِ وفي اللِّقاء جَمَالُ
(١) راجع مقالتنا في ابن سينا والفارابي وغيرهما من الفلاسفة.