للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس، ومع عمرَ بنِ الخطاب أجيرٌ له من بني غِفار، يقال له: "جهجاه بن مسعود" يقودُ فَرَسَه، فازدحَمَ جهجاه وسِنان بن دبر الجهَنيُّ- حليفُ بني عوفٍ من الخزرج- على الماء، فاقتتلا، فَصَرخ الجهني: يا معشرَ الأنصار.

وصرخ جهجاه: يا معشرَ المهاجرين، فغضب عبدُ الله بن أبي بن سلول، وعنده رَهطٌ من قومه، فيهم زيدُ بنُ أرقم، غلامٌ حَدَث، فقال: أوَ قَدْ فعلوها؟! قد نافَرونا وكاثَرونا في بلادنا، واللهِ ما أُعِدُّنا وجلابيبَ قريش (١) هذه إلا كما قال الأول: "سمِّنْ كَلْبَك يأكلْك"، أَما واللهِ لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ .. ثم أقبل على مَن حَضَره من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسَمتموهم أموالكم، أَما واللهِ لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم، لَتحوَّلوا إلى غيرِ دارِكم، فسمع ذلك زيدُ بنُ أرقم، فمشى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبَرَ وعنده عمرُ بن اخطاب، فقال عمرُ: مُر به عبَّادَ بنَ بِشْر فلْيقتله، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فكيف يا عمر إذا تَحدَّثَ الناسُ أن محمدًا يقتلُ أصحابه؟ لا، ولكن أَذِّنْ بالرحيل"، وذلك في ساعةٍ لم يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحلُ فيها، فارتحل الناسُ، وقد مَشى عبدُ الله بن أبي بن سَلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين بلغه أن زيدَ بنَ أرقم بَلَّغه ما سمع منه، فحَلَف بالله: "ما قلتُ ما قال، ولا تكلمتُ به"، وكان في قومه شريفًا عظيمًا، فقال مَن حضر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلامُ أَوْهَمَ في حديثه، ولم يَحْفظ ما قال الرجلُ -حَدَبًا على ابنِ أُبيٍّ ودفعًا عنه-، فلما


(١) اسم كان يُلَقَّب به المنافقون أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>