وسانَده في موقفِه النبيلِ هذا ثلاثة من اليهود وهمِ: ثعلبةُ، وأُسيد -ابنا سَعْيه- وأسدُ بنُ عبيد، وأخذ كعبُ بنُ أسد الصحيفةَ ومزَّقها.
غدروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجيوشُ الأحزاب تُوشِكُ الفَتْكَ بالمدينة، وبَلَغتِ القلوبُ الحناجر.
أوفَدَ إليهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وفدًا من الأنصار، على رأسه سعدُ بن معاذ، وسعدُ بن عبادة، فقالوا للوفد -وقد تملَّكهم الغرورُ-: الآن جئتُم تطلبون منا الوفاءَ بالعهد الذي بيننا وبين محمد، وهو الذي كَسَر جَناحنا، وأخرج إخوانَنا بني النضير، اذهبوا، لا عهدَ بيننا وبين محمد ولا عَقْدَ، مَن هو رسولُ الله هذا؟! فغضب سيِّدُ الخزرج، وأخذ يُشاتِمُ اليهودَ، فشاتموه، وأغضبوه كثيرًا.
غيرَ أن سَيِّدَ الأوسِ سعدَ بن معاذ -وهو حليفُ هؤلاء اليهود- قد دخل في الأمر، وقال لسعدِ بن عبادة: دعْ عنك مُشاتَمَتَهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، وأقبل عليهم ناصحًا ومحذِّرًا: إنكم قد عَلِمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة، وأنا أخافُ عليكم مِثلَ يوم بني النضير أو أَمَرَّ منه، فقالوا لسعدٍ: أكلتَ أَيْرَ أبيك، فقال لهم سعدُ -وكان حليمًا-: غيرَ هذا من القول كان أجملَ بكم وأحسنَ يا بني قريظة .. فتمادى بنو قريظة في غَيِّهم، وصاروا ينالون من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ويَقَعون فيه، وهنا يئس سعد بنُ معاذ من عَودةِ حلفائه إلى جادَّةِ الصواب، فعاد الوفدُ يحمِلُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بواسطةِ كلمةِ سرٍّ:"عَضَل والقارَة"، أن القوم قد غدروا، دون أن يعلمَ أحد مِن المعسكر هذا الخبرَ المزعجَ.