عدوَنا؟!! فقال: إن اللهَ كان قد وَعَدني ذلك، لكنه بدا له".
ثم إنَّ المختارَ باشَرَ قتالَ مصعبِ بنِ الزبير بنفسه بالمَذَار من ناحيةِ الكوفة، وقَتَل في تلك الواقعة محمدَ بنَ الأشعث الكِندي؛ قال المختار، طابت نفسي بقَتْلِه، أن لم يكن بَقي من قَتَلَةِ الحسين غيره، ولا أُبالي بالموت بعد هذا، ثم وقعت الهزيمة على المختار وأصحابه.
وأشار عليه جماعةٌ من أساورته؛ بأن يدخلَ القصرَ دارَ إمارته، فدخله وهو ملومٌ مذموم، وعن قريبٍ يَنفذ فيه القَدَر المحتوم، فحاصَرَه مصعبٌ فيه وجميعَ أصحابه؛ حتى أصابهم من جَهدِ العطشِ ما الله به عليم، وضَيَّق عليهم المسالكَ والمقاصد، وانسدَّت عليهم أبواب الحيِل، وليس فيهم رجلٌ رشيد ولا حليم، ثم جَعل المختارُ يُجيل فكرتَه، ويُكرًّرُ رَويّتَه في الأمر الذي قد حَلَّ به، واستشار مَن عنده هذا السبب السيء، الذي قد اتصل سببُه بسبيه من الموالي والعبيد، ولسانُ الشرع ينادي:{قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ: ٤٩]، ثم قَوِي عَزمُه قوةَ الشجاعةِ المركَّبة فيه، على أن أخرَجَتْه مِن بين مَنْ كان يحالفه وُيواليه، ورأى أن يموتَ على فَرَسه، حتى يكونَ عليها انقضاءُ آخِرِ نَفَسِه، فنزل حَميَّةً وغضباً، وشجاعةً وكَلَباً، وهو مع ذلك لا يجدُ مَناصاً ولا مَفرّاً ولا مَهرباً، وليس معه من أصحابه سوى تسعةَ عَشَر، ولعله إن كان قد استمرَّ على ما عاش عليه أنْ لا يُفارِقَه التسعةَ عشَرَ الموكَّلون بسقر، ولما خرج من القصر تقدَّم إليه رجُلانِ شقيقان أخَوَان؛ وهما طَرَفةُ وَطرَّافُ ابنا عبدِ الله بن دِجاجة من بني حنيفة، فقتلاه، وأحتزَّا رأسه، وأتيا به إلى مصعبِ بنِ الزبير، وقد دخل قصرَ الإمارة، فوضع بين يديه، كما وُضع رأسُ ابن زياد بين يدي المختار، وكما وُضع