للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرأيتَ عليه زِهادة، وكان إذا أخذ في التحميد لم يُصْغ السامعون إلى كلامٍ أحسنَ من كلامه .. فكتب إلى أبيه: يا أبتاه، عجِّل عليَّ، فإنه قد رأيتُ أشياءَ أتخوَّف منها أن تكونَ من الشيطان .. فزاده أبوه غَيّاً، وكتب إليه: يا بُني أقبل على ما أمِرت به، إن اللهَ يقول: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)} [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢]، ولستَ بأفَّاكٍ ولا أثيم، فامْضِ لما أُمِرت به، وكان يجيءُ إلى أهل المساجد رجلاً رجلاً فيَذكرُ لهم أمره، ويأخذُ عليهم العهودَ والمواثيقَ إن هو رأى ما يُرضَى قَبِل وإلاَّ كَتَم عليه" (١).

° فعَرَض على القاسم بن مُخيمِرةَ وقال له: "إني نبيٌّ، فقال له القاسم: كذبتَ يا عدوَّ الله، ما أنت بنبيٍّ" (٢).

ثم أُخبر به قاضي دمشق وأَخبر بدوره الخليفةَ عبدَ الملكِ بنَ مروان.

فاختفى الحارث بعد ذلك ببيت المقدس، وجَهل الناسُ خَبَره، فتسلَّط عليه رجل من أهل البصرة حتى عَرَف مَدْخَلَه ومَخْرَجه، وتظاهر له بالتصديق، وقال له: "إن كلامك لَحَسن، وقد وقع في قلبي، وقد آمنتُ بك، وهذا هو الدِّينُ المستقيم، فأَمَر ألاَّ يُحجَب عنه متى أراد الدخول عليه، فاتَّصل بعبد الملك، وأخبره الخبر، فسيَّر معه جنوداً مِن العجم، وتمَّ القبض عليه، وجيء به إلى عبد الملك، فأَمَر بخشبة فُنصِبت فصلبه، وأمر بحَرْبة، وأمر رجلاً فطَعَنه، فلما صار إلى ضِلع من أضلاعه فانكفأت الحربةُ عنه،


(١) "تليس إبليس" (ص ٧٢٤).
(٢) "البداية والنهاية" (٩/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>