الفاسدة التي اعتقدها قبل البحث عن حقائقِ الأشياء، كما بيَّنا في رسالة "العقل والمعقول"، فأَقول: إنَّ نفسه عند ذلك متهيئةٌ لقبول إلهام الملائكة، وكلما زاد في المعارف استبصاراً، صارت نفسُهُ لقَبول إلهام الملائكة أَسهلَ طبعاً، ولطاعةِ العقل أَشدَّ تشبُّها، وإلى السمائيَّة أقربَ قُربةً .. وأعلمُ أن الحيواناتِ متفاوتةٌ في شعورها ومعارفها .. وذلك أنَّ منها ما له حاسةٌ واحدة، ومنها ما له حاسَّتان، ومنها ما له ثلاثُ حواسَّ، ومنها ما له أربعُ حواسَّ، ومنها ما له خَمسُ حواسَّ، كما بينَّا في رسالة "الحيوانات".
وهكذا أيضاً الناسُ متفاوِتون في معارِفهم وعلومهم: وذلك أنَّ مِن الناس عقلاءَ وبُلَهاء، ومِن العقلاء علماءَ وجهلاء، والعلماء متفاوِتون في درجات العلوم .. وذلك أن منهم مَن يُحسِنُ عِدَّةَ علوم، ومنهم مَن هو أكثرُ منه، ومنهم دون ذلك، وأن المُفيدِين في العلوم يتفاوَتون في درجاتهم: وذلك أنَّ منهم مَن تكونُ معلوماتُه كلُّها جُسمانية، ومنهم مَن تكونُ معلوماتُه رُوحانية.
وأعلمُ أنَّ كلَّ عالِم تكونُ أكثرُ معلوماته روحانيةً فهو إلى الملائكة أقربُ رتبةً، ومن أَجل هذا جَعَل اللهُ طائفةً من بني آدمَ واسطةً بين الناس وبين الملائكة، لأنَّ الواسطةَ هي التي تُناسِبُ أحدَ الطرَفين من جهةٍ، والطرفَ الآخر من جهةٍ: وذلك أن الأنبياء - عليهم السلام- كانوا يناسِبون الملائكة بنفوسهم وصفاءِ جَوهرهم، ومِن جهةٍ أخرى كانوا يناسِبون الناسَ بغِلَظِ أجسامهم.
واعلم يا أخي أن كلامَ الملائكةِ إنما هو إشاراتٌ وإيماء، وكلامُ الناس