فهؤلاء هم المؤرِّخون يذكرون هؤلاء الدعاةَ وعلاقتَهم بهم، فيقول ابنُ المحاسن وهو يذكر الحسن الفرغاني المعروف بالأخرم:"ثم عَنَّ له -أي: للحاكم- أن يدَّعي الربوبية، وقَرَّب رجلاً يُعرفُ بالأخرم ساعَدَه على ذلك، وضمَّ إليه طائفةً بَسَطَهم للأفعالِ الخارجة عن الديانة. فلما كان في بعضِ الأيامِ خَرَج الأخرمُ من القاهرة راكباً في خمسين رجلاً من أصحابه، وقَصَد مصر ودخل الجامع راكبًا دابَّته، ومعه أصحابُه على دوابِّهم وقاضي القضاة ابن أبي العوام جالسٌ فيه ينظرُ في الحكم، فنَهَبوا الناسَ، وسَلبوهم ثيابَهم، وسَلَّموا للقاضي رُقعةً فيها فتوى، وقد صَدَرت باسم "الحاكم الرحمن الرحيم"، فلما قرأها القاضي رَفع صوته منكِراً، واسترجع، وثار الناسُ بالأخرم، وقتلوا أصحابَه وهَرَب هو، وشاع الحديثُ في دعواه الربوبية، وتقرَّب إليه جماعة من الجهال، فكانوا إذا لقُوه قالوا: "السلام عليك يا واحدُ يا أحدُ يا محيي يا مميت"، وصار له دعاةٌ يَدْعُون أوباشَ الناس ومَن سَخِفَ عقلُه إلى اعتقادِ ذلك، فمال إليه خَلقٌ كثيرٌ طمعًا في الدنيا والتقرُّب إليه، وكان اليهوديُّ والنصرانيُّ إذا لَقِيَه يقول: "إلهي قد رغبتُ في شريعتي الأولى"، فيقول الحاكم: "افعلْ ما بدا لك"، فيرتدّ عن الإِسلام .. وزاد هذا الأمر بالناس (١).
ويذكرُ الأمامُ الذهبيُّ أن حَسَن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم لَمَّا بدأ يدعو الناسَ إلى ما كان يدعو إليه من التناسخ والحلول وألوهيةِ الحاكم استدعاه الحاكم، وخَلَع عليه، وأركبه فرساً مطهَّمًا، وسَيَّره في
(١) "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" (٤/ ١٨٣).