° قال عبدُ القاهر البغدادي في "الفَرق بين الفِرق": "وكان في زمانِ شبابه قد عاشرَ قومًا من "الثنَوية"، وقومًا من "السُّمنية" القائلين بتكافؤِ الأدلة، وخالَط بعد كِبَره قومًا من مُلْحِدَةِ الفلاسفةِ، ثم خالَطَ هشامَ بنَ الحكم الرافضي، فأخذ عن هشام وعن مُلحدةِ الفلاسفة قولَه بإبطال الجزء الذي لا يتجزَّأ، ثم بنى عليه قولَه بالطفْرة التي لم يَسْبِق إليها وَهْمُ أحدٍ قبله .. ودَوَّن مذاهبَ الثنوية، وبِدعَ الفلاسفة، وشُبَهَ الملحدة في دينِ الإسلام، وأُعْجِب بقول البَراهِمة بإبطال النُّبُوَّات، ولم يَجْسَرْ على إظهارِ هذا القولِ خَوْفًا من السيف، فأنْكَر إعجازَ القرآن في نَظْمِه، وأنْكَر ما رُوِي من معجزاتِ نبينا صلى الله عليه وسلم -مِن انشقاقِ القمر، وتسبيح الحَصَى في يده، ونبوع الماء مِن بيْن أصابعه-، ليتوصَّلَ بإنكار معجزات نبيِّنا - عليه السلام - إلي إنكارِ نُبُوَّته.
ثم إنه استَثقل أحكامَ شريعة الإسلام في فروعها، ولم يجْسَرْ على إظهار دفْعها، فأبطل الطرق الدَّالةَ عليها، فأنكر لأجل ذلك حُجة "الإجماع" وحُجَّةَ "القياس" في الفروع الشرعية، وأنْكَر الحُجةُ من الأخبار التي لا تُوجبُ العلمَ الضروريَّ، ثم إنه عَلِم إجماعَ الصحابة على الاجتهاد في الفروع الشرعية، فذَكَرهم بما يقرؤه غدًا في صحيفةِ مخازيه، وطَعَن في فتاوى أعلام الصحابة - رضي الله عنهم -.
وجميعُ فرقِ الأمة -من فريقيِ الرأي والحديث، مع الخوارج، والشيعة، والنجَّارية، وأكثر المعتزلة- متَّفقون على تكفير النظَّام، وإنما تَبِعه في ضلالته شِرذمةٌ من القَدَريَّة -كالأسواري، وابن خابط، وفضل الحدثي، والجاحظ-، ومع مخالفة كل واحدٍ منهم له في بعضِ ضلالاته وزيادةِ بعضهم عليه فيها.