للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسببُ في تكفيرهم بالإلهيات قولُ الغزالي بأنه قد كثرت فيها أغاليطُهم، فما قُدَروا على الوفاءِ بالبراهين على ما شرطوه في المنطق، ومجموعُ ما غَلِطوا فيه يرجعُ إلى عشرينَ أصلاً، يجبُ تكفيرهم في ثلاثةٍ منها، وتبديعُهم في سبعةَ عَشر، وهذه الثلاثة هي كالآتي:

١ - قولُهم: "إن الأجسادَ لا تُحشر، وإنما المُثابُ والمعاقَبُ هي الأرواحُ المُجَرَّدة، والمثوباتُ والعقوباتُ رُوحانيةٌ لا جُسمانية".

٢ - قولهم: "إن الله يَعلمُ الكلِّيَّات دون الجزئيات" .. وهذا أيضًا كفرٌ صريح.

٣ - قولهم بقِدَمِ العالَم وأزليَّته (١).

لقد كان هذا الموقفُ عظيمًا من الغزالي، حيث استطاع مجابَهَتَهم وتفنيدَ آرائهم، ثم أظهر تهافتها في كتابه المسمَّى بـ "تهافت الفلاسفة" (٢)، في الوقت الذي لم يكن فيه الكثيرُ من النُّظَّار قادِرِين على ذلك، إذْ كان لدى الفلاسفة من الحجج الباطلةِ والقواعدِ الجدليَّة ما يُلبس ثوبَ الشكِّ لدى خَصمِهم في القُدرة على مواجهتهم بذلك، حتى جاء الغزاليُّ وأبطل هذه الحجَج بقَدَمٍ ثابتة، وثقةٍ بالغة، وجُرأةٍ نادرة، وسَجَّل له التاريخُ الإسلاميُّ هذا الفضلَ العظيم (٣)، (٤).


(١) نفس المصدر (٢٧ - ٢٨).
(٢) ذهب الغزالي إلى تكفير الفلاسفة بهذه المقولات الثلاثة في كتابه "تهافت الفلاسفة" - طبع دار المعارف.
(٣) "أبو حامد الغزالي والتصوف" (٦٨ - ٦٩) لعبد الرحمن دمشقية - دار طيبة الرياض.
(٤) أجاد الغزالي في الردّ على الفلاسفة، لكنه عاد وأظهرها في قالب التصوف والعبارت الإسلامية؛ وخاصةً في "الإحياء" و"مشكاة الأنوار" و"معارج القدس" و"ميزان العمل"، حتى رَدَّ عليه أخصّ أصحابه وهو أبو بكر بن العربي حيث قال: "شيخنا أبو =

<<  <  ج: ص:  >  >>