للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستَحسَنَ غيرَ مرةٍ تحريقَ الهند موتاهم وأحبَّه، وفي ذلك يقول:

فَاعْجَبْ لِتَحْرِيقِ أهْلِ الهِنْدِ ميتهُمْ … وَذَاكَ أرْوَحُ من طُولِ التَّبَارِيحِ

إنْ حَرَّقوه فَمَا يَخْشَوْنَ من ضَبُعٍ … تَسْرِي إِلَيْهِ ولا خَفي وتَطرِيحِ

والنَّارُ أطيَبُ مِنْ كَافُورِ ميِّتِنَا … غِبًّا وأذهَبُ لِلنَّكراءِ والرِّيحِ

وذَهَب المَعرِّي إلى تحريم أكلِ الحيوان وما يَخرجُ منه، فمن ذلك قوله:

غَدَوْتَ مَرِيض العَقْلِ والدينِ فَالقَنِي … لِتَسْمَعَ أنبَاءَ الأمُورِ الصَّحَائِحِ

فَلَا تأكلَنْ ما أخْرَجَ البَحْرُ ظَالِمًا … ولا تَبغْ قُوتًا من عَرِيضِ الذبائِحِ

ولا بَبْضَ أُمَّات أرَادَتْ صَرِيحَهُ … لأطفَالِهَا دُونَ الغَوَانِي الصَّرَائِحِ

ولا تَفْجَعَنَّ الطَّيْرَ وهي غَوَافِلٌ … بِمَا وَضَعَتْ فَالظُّلمُ شرُّ القَبَائِحِ

وَدع ضَرَبَ النَّحلِ الَّذي بَكَرَتْ لَهُ … كَوَاسِبَ من أزهَارِ نَبْتٍ فَوَائِحِ

فَمَا أحرَزَتْهُ كَيْ يَكُونَ لِغَيرِهَا … ولا جَمَعْتَهُ لِلنَّدَى والمَنائِحِ

مَسَحْتُ يَدِي مِنْ كُلِّ هَذَا فَلَيْتَنِي … أَبَهْتُ لشَانِي قَبْلَ شَيْبِ المَسَائِحِ

وجازاه اللهُ بنِحْلَتِه، وبما قال عن مِلَّتِه بحَبسِ الدنيا قبل الآخرة، فحَبَسَه في جَسَده، وهذا أشدُّ الحَبْس.

واللفظُ الذي اختاره لنفسه، وكان أن ينادَى به "رهينَ المَحْبَسَينِ"، وإنما أراد بالمحسبين منزلَه الذي احتَجَب فيه، وبَصَرَه، على أنه ذكر لنفسه في "اللزوميات" سجونًا ثلاثةً.

أحدها: منزله، والآخر: ذَهابُ بصره، والثالث: جِسمُه الماديُّ الذي احتَبَست فيه نَفْسُه أيامَ الحياة، وذلك حيث يقول:

أُرَانِي في الثَّلَاثَةِ من سُجُونِي … فَلَا تَسْألْ عنِ الخَبَرِ النَّبِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>