للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكلِّ خير يمكنُ أن يكونَ .. {إِنَّا} محمولٌ على التعظيم، ففيه تنبيهٌ على عظمةِ العطيَّة؛ لأن الواهبَ هو مَلِك الملوك -عز وجل- .. فقد أشعرت الآية بعِظَمِ الواهب، والموهوبِ له، والموهوب، فيا لها من نعمةٍ ما أعظمَها وما أجلَّها، ويا له من تشريفٍ ما أعلاه!!.

* قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ}، ولم يقلْ "آتيناك"، لأن "الإِيتاء" أصلُه الإحضار وإن اشتُهر في معنى الإعطاء، والإيتاءُ يَحتملُ أن يكونَ واجبًا، وأن يكون تفضُّلاً، وأمَّا الإعطاء، فإنه بالتفضُّل أشبهُ، وإذا كان الكوثرُ في نفسه في غايةِ الكثرة، لكنه بصدوره من مَلِكِ الملوك يَزداد عظمة وكمالاً .. ولَمَّا كان كثيرُ الرئيس أكثرَ من كثيرِ غيره، فكيف بالمَلِك، فكيف بِمَلِكِ الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغةِ مبالغة!! فكيف إذا كان في مَظهَرِ العظمة!! فكيف إذا بُنيت الصيغة على "الواو" الذي له العلوُّ والغلبة!! فكيف إذا أتت أثرُ "الفتحة" التي لها مِثلُ ذلك -بَل أعظم-!! فكيف إذا صُدِّرت الجملةُ بحرف التأكيد البخاري مجرى القسم!!.

أفاض عليه من كل شيءٍ من الأعيان والمعاني من العلم والعمل وغيرهما من معادِنِ الدارَين، والخيرِ الذي لا غاية له مما لا يدخلُ تحتَ الوصف، فاجتَمَع له أشرفُ العطاءِ من أكرم المُعطِين وأعظمِهم.

فقد اضمَحلَّ في جانب نعمةِ الكوثر الذي أُوتي كلُّ ما ذَكَره الله تعالى في الكتاب من نعيم أهل الدنيا وتمكُّنِ مَن تمكَّن منهم، ولم يَقَعْ بعد هذه السورة ذِكرُ شيءٍ من نعيم الدنيا.

وانظر إلى قوله تعالى: {أَعْطَيْنَاكَ} .. لم يقل "سنعطيك" … فأَتى بصيغة الماضي ليدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مُوَيَّدًا عزيزًا مَرْعِيَّ الجانب

<<  <  ج: ص:  >  >>