للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَلٌ كبيرٌ متعلِّقٌ بالشؤون الماليَّة من حيثُ الإيراداتُ والمصروفات، ومِن حيثُ جَمعُ المالِ من جهاتِه العديدة -الزكاة والجِزية والغنائم- إلخ .. ومن حيث توزيعُ ذلك كلِّه بين مصارفه، وكان له - صلى الله عليه وسلم - سُعَاةٌ وجُبَاةٌ يتولَّوْن ذلك له، ولا شكَّ أن تدبيرَ المالِ عَمَلٌ مَلَكيٌّ، بل هو أهمُّ مقوِّماتِ الحكومات" (١).

° ثم قال: "إذا ترجَّح عند بعضِ الناظرين اعتبارُ تلك الأمثلةِ، واطمأنَّ إلى الحُكم بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان رسولاً ومَلِكًا، فسوف يَعترضُه حينئذٍ بحثٌ آخَرُ جديرٌ بالتفكير، فهل كان تأسيسُه للمَملكة الإسلامية وتصرُّفها في ذلك الجانبِ شيئًا خارجًا عن حدودِ رسالته - صلى الله عليه وسلم -؟ أم كان جُزءً ممَّا بَعَثَه الله له وأوحى به إليه؟.

فأمَّا أنَّ المملكةَ النبويَّةَ عَمَلٌ منفصلٌ عن دعوة الإسلام وخارجٌ عن حدودِ الرسالة، فذلك رأيٌ لا نَعرِف في مذاهبِ المسلمين ما يُشاكِلُه، ولا نَذكُرُ في كلامِهم ما يدلُّ عليه، وهو على ذَلك رأيٌ صالح لأنْ يُذهَبَ إليه، ولا نَرى القولَ به يكونُ كفرًا ولا إلحادًا، وربما كان محمولاً على هذا المذهبِ ما يراه بعضُ الفِرَقِ الإسلامية من إنكارِ الخلافة في الإسلام مرةً واحدة، ولا يَهُولَنَّك أن تسمعَ أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - عملاً كهذا خارجًا عن وظيفةِ الرسالة، وأن مُلْكَه الذي شيَّده هو من قَبيل ذلك العمل الدنيويِّ الذي لا عَلاقةَ له بالرسالة، فذلك قولٌ إنْ أنْكَرَتْه الأُذن لأنَّ التشدُّقَ به غيرُ مألوف في لغةِ المسلمين، فقواعدُ الإسلام ومعني الرسالة ورُوحُ التشريع وتاريخُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، كلُّ ذلك لا يُصادِمُ رأيًا كهذا ولا يَستفظِعُه، بل ربُّما وَجَد ما


(١) المصدر السابق (ص ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>