بعدَه -كما قد وقع-، فقد كان بَيتُ كلِّ واحدةٍ منهن مدرسةً للمسلمين والمسلمات، يَرِدُونها للتعلُّم، ويَشربون من مَعِينها الصافي عَلَلاً بعد نَهَل، ويَسألون أمَّهاتِ المؤمنين عن حياته - صلى الله عليه وسلم - وشمائِلِه وأخلاقِه وأعمالِه داخلَ بيوته وخارجَها.
ومن ذلك: ما في تَعدُّدِهِنَّ من مصلحةِ التأليفِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى، وتبليغِ القرآنِ والسُّنةِ بواسطةِ أصهارِه ومَن يَتَّصلُ بهم؛ لأنَّ أزواجَه كُنَّ مِن قبائلَ شتَّى، وذلك أبلغُ في مَقامِ الدعوةِ والتأليفِ، وأنفعُ للأُمَّةِ، وأكملُ من جِهةِ التبليغ والتعليم.
ومن ذلك: ما في تَعدُّدِهِنَّ من راحته - صلى الله عليه وسلم - وأُنسِه، فإنَّ الله سبحانه قد حَبَّب إليه النساءَ والطِّيب، وجَعَل قُرَّةَ عَينِه في الصلاة، وقد صَحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها الزوجةُ الصالحة"، وقد جَبَل اللهُ الرجالَ على حُبِّ النساء والمَيلِ إليهِنَّ، وجَعَلَهُن سَكَنًا للرجال، كما قال عَزَّ وجل:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: ٢١]، وأعطى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك من كمالِ الرُّجولةِ والقوةِ على القيام بأمرِ الزوجات وحقوقِهِنَّ ما لم يُعطِهِ الكثيرَ ممن قبلَه، وليس هذا بمستنكَرٍ في الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فإنهم أكملُ الرجال رجولةً، وأعفُّهم فَرْجًا، وأقومُهم بحقِّ الله وحقِّ عبادِه، وقد كان لنبيِّ الله داودَ زوجاتٌ كثيرة، ولابنه -نبي الله سليمان بن داود- كذلك، وقدْ قوَّاهما اللهُ على الطَّوَافِ عليهِنَّ والقيامِ بحقِّهنَّ، فكيف يُستغربُ على مَن هو أفضلُ منهما وأرفعُ عند الله منزلةً -وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم - أن يُبيحَ الله له تِسعًا من النساء؟! مع ما في ذلك من المصالحِ الكثيرةِ -التي