يروحُ بأرواح المحامِدِ حُسْنُها … فيرقى بها في سامياتِ المفاخرِ
وإن فُضَّ في الأكوانِ مِسْكُ ختامِها … تَعطَّر منها كلُّ نجدٍ وغائرِ
لقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سيدَ الأوَّابين العابدين المتبتِّلين، لم تتخلَّف نفْسُه عن أغراضِ حياتِه العظمى قِيْدَ شعْرة، ولم يُخْلِفْ موعدَه مع الله في عبادةٍ ولا في جهاد.
لقد كانت السِّنونَ الأُولى لرسالته سنواتٍ قلَّما نجدُ لها في تاريخ الثباتِ والصدقِ والعظمةِ نظيرًا، وتلك سنواتٌ كشفَتْ أكثرَ مِن سواها عن كلِّ مزايا معلِّم البشريةِ وهاديها!! وتلك سنواتٌ كانت فاتحةَ الكتاب الحيِّ؛ كتابِ حياته وبطولاته، بل كانت -قبلَ سواها وأكثرَ من سواها- مَهْدَ معجزاته.
لقد جهَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو الوحيد الأعْزَل- بدعوة الحق، وقام بدِينِ الله والدعوةِ إليه ما لم يقُمْ به أحد، وأُوذي في الله ما لم يُؤْذَ أحدٌ قبله، مخلِصًا أمينًا، وهذا لا يَقدِر عليه إلاَّ أولو العزْم من الأبرار والمرسلين.
بلَّغ وبَلَّغ في غيرِ مداراة وفي غير هروب .. واجَهَ الشركَ ورؤوسَه من اللحظةِ الأولى بجوْهر الرسالة ولُباب القضية، من اللحظة الأولى واجههم بكلماتِ التوحيد المُبِينة المُسْفِرة، وواجَهَ قومَه بدعوةٍ تتصدَّع مِن هَولِ وقعِها الجبال .. وتخرجُ الكلمات من فؤاده وفمه صادعةً رائعة، كأنما احتشدتْ فيها كلُّ قوى المستقبل وتصميمه .. كأنها قَدَرٌ يُذيع بيانَه.
ولقَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوى الشرك أولَ دروسِه في أستاذيَّةٍ خارقة،