للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باعتباره حقيقةً تشكِّل مسؤوليةُ تبليغها وإعلانها جُزءً من جوهر رسالته.

ذلك أن التواضعَ -على الرغم من أنه خُلُق من أخلاق الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - الأصيلة-، لم يكن الدليلَ الذي يدلُّ على عظمتِه وُيشير إليها؛ فإن عظمةَ الرسولِ بَلَغتْ من التفوُّق والأصالة ما جَعَلها آيةَ نفسِها، وبرهانَ ذاتِها .. ".

فرْدُ التواضعِ فرْدُ الجُودِ مكرمةً … فرْدُ الوجودِ عنِ الأشباه والنُّظَرَا

أعلى العلا في العُلا قدْرًا وأمنعُهُمْ … دارًا وجارًا واسمًا في السماءِ ذُرَا

وإذا كان التوحيدُ هو الغايةَ المطلوبة من جميع مقاماتِ الإيمان والأعمالِ والأحوال، وهو أولُ دعوةِ الرسل وآخرُها، وإذا كان أهلُ التوحيد يتفاوتون في توحيدِهم -عِلمًا ومعرفةً وحالاً- تفاوتًا لا يُحصيه إلا الله - فأكملُ الناسِ توحيدًا الأنبياءُ صلوات الله وسلامه عليهم، والمرسَلون منهم أكملُ في ذلك، وأولو العزم من الرسل أكملُ توحيدًا، وأكملُهم توحيدًا الخليلانِ محمدٌ وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهما؛ فإنهما قاما من التوحيد بما لم يَقُمْ به غيرُهما؛ عِلمًا ومعرفةً وحالاً، ودعوةً للخَلق وجهادًا، فلا توحيدَ أكملُ من الذي قامت به الرسلُ، ودعَوا إليه، وجاهدوا الأمم عليه؛ ولهذا أمَر الله سبحانه نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقتديَ بهم فيه.

ولمَّا فاق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النبيِّين والمرسَلِين، وقام بحقيقةِ التوحيد -عِلْمًا وعملاً ودعوةً وجهادًا-، جَعَله اللهُ إمامًا للخَلْق ورسولاً للناسِ كافَّةً، بل وللثقلَيْن من الجنِّ والإنس.

وتوحيده جُعل أعلى توحيدٍ، وخاصَّةَ الخاصَّةِ، مَن رَغِب عنه فهو من أسفهِ السفهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>