بل شَمِل عطفُه الأحياءَ والجمادَ كأنَّه من الأحياء؛ فكانت له قَصْعَة يُقال لها "الغرَّاء"، وكان له سَيْفٌ مُحلَّى يسمى "ذا الفقار"، وكانت له دِرْعٌ موشَّحةٌ بنُحاسٍ تُسمَّى "ذات الفضول"، وكان له سَرْجٌ يسمَّى "الداج"، وبِساطٌ يسمَّى "الكز"، ورَكْوة تسمَّى "الصادر"، ومِرآةٌ تسمَّى "المدلة"، ومقراضٌ يسمَّى "الجامع"، وقضيب يسمَّى "الممشوق".
وفي تسميته تلك الأشياءَ بالأسماء معنَى الألفة، التي تجعلُها أشبَهَ بالأحياءِ المعروفين، مِمَّن لهم السِّماتُ والعناوين، كأن لها "شخصيةً" مقرَّبةً تُميِّزُها بين مثيلاتها، كما يتميز الأحبابُ بالوجوه والملامح والكُنَى والألقاب.
° وكان له - صلى الله عليه وسلم - مع هذه العاطفة الجيَّاشةِ والرحمةِ الشاملة: ذَوق سليم يُضارعُها رِفعةً ونُبلاً في رعايةِ شعور الناس أتمَّ رعايةٍ وأدلَّها على الكرَمَ والجود؛ "كان إذا لَقِيه أحدٌ من أصحابه فقام معه؛ قام معه، فلم ينصرف حتى يكونَ الرجلُ هو الذي ينصرف عنه، وإذا لَقِيَه أحدٌ من أصحابه فتناول يَدَه، ناوَله إيَّاها، فلم يَنزعْ يَدَه منه حتى يكونَ الرجلُ هو الذي يَنزعُ منه .. وكان إذا وَدَّع رجلاً أخذ بيده، فلا يَدَعُها حتى يكونَ الرجلُ هو الذي يَدَعُ يده".
° "وانظرْ إلى زيد بن حارثة - رضي الله عنه - الذي خُطِف من أهله وهو صغير، ثم اهتدى إليه أبوه واهتدى هو إلى أبيه على لهْفَةِ الشوقِ بعد يأسٍ طويل، فلما وجب أن يختارَ بين الرَّجْعةِ إلى آله وبين البقاءِ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،