سَوقًا، من وراءِ شخصياته التي تبدو كالأقنعةِ أو المشْجَبِ حاملِ الأفكار، نحوَ هدفٍ محدَّدٍ هو: إلى أيِّ اتِّجاهٍ ينبغي -ويُمكِنُ للمسلمين الذين يُخاطبُهم في الغربِ أو في أوطانهم- أن يتَّخذوه .. لقد لَمْلَمَ سلمان رشدي كتابه "آيات شيطانية"، من ثلاثِ قَصَصٍ طويلةٍ لا يَربطُ بينها رابطٌ ما، ووزَّع فصولَ القَصصِ الثلاثِ توزيعًا اعتباطيًّا تقريبًا .. أما "رشدي"، المتواضعُ الموهبةِ، والفاقدُ الإِيمانِ بشيءٍ أو بعقيدةٍ محدَّدةٍ، فإنه عَجَزَ عن أن يُقيمَ من أكوام خيالاتِه ومعلوماتِه وتأليفاته، وما نَقَله عن المصادِرِ المختلفةِ وألبَسَه كِساءً خياليًّا رديئًا ومفتَعلاً، عَجَز عن أن يقيمَ من كلِّ ذلك بِناءً فنيًّا موحَّدًا، ليس فقط لضَعفِ موهبته، وإنما لأنه أراد أن يَجمعَ بين ما لا يَجتمعُ، وهو: تصوُّرُه الذاتي عن تجربةِ اغترابِ المثقَّفِ الشرقيِّ "الهندي" عن هُوِيَّةِ أُمَّتِه، وعن تجارِبِ المسلمين المغترِبين في أوروبا "لندن"، أو المُقيمين في وطنهم "بومباي" .. ثم مجموعةِ الأكاذيب والمخترَعاتِ والإهانات -التي ألَّفَ بعضها بنفسه-، والتي وجَّهها إلى الإِسلام وكتابِه ورسوله .. ويَضمَنُ السيد "رشدي" أن يستمرَّ خَلط الأوراقِ بلا نهاية، عندما يَستخدمُ لتسميةِ الأشياء والظواهر، أسماءَ متناقضةً لحقيقةِ الأشياء والظواهر، حتى يتحقَّقَ التشويشُ المطلوبُ على الحُلولِ العلميَّةِ الحقيقية، والحلول التي تسعى إليها الشعوبُ الآن -في الشرقِ والغربِ على السواء، بصرفِ النظرِ عن جهودِ البرابرة المعاصِرِين عندهم وعندنا-، الحلولُ التي تتلخَّصُ في الديمقراطية والعقلانية اللتين تَحفظَانِ لكلِّ شعبٍ، ولكل طائفةٍ من شَعبٍ، الحقَّ في سِماته -أو سيماتِها الخاصة- في إطارِ ثقافةٍ إنسانيةٍ عامة، وثقافاتٍ قوميةٍ متمايزة، مستنيرةٍ ومثقَّفةٍ بحقيقتها وبحقائق الثقافاتِ