عن الشيطان، أو قال: هذا مِن الشيطان، لم آتِكَ بها! فأنزل الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} إلى آخر الآية".
قلت: وهذا إسنادٌ رجالُه كلُّهم ثِقات، وكلُّهم من رجالِ "التهذيب"، إلَّا مَن دُونَ ابنِ عَرْعَرة، ليس فيهم مَن يَنبغي النظرُ فيه غيرُ أبي بكرٍ محمدِ ابنِ عليِّ المُقْري البغدادي، وقد أورده الخطيبُ في "تاريخ بغداد" فقال (٣/ ٦٨ - ٦٩): "محمدُ بنُ عليِّ بنِ الحَسَنِ، أبو بكر المُقرئُ، حَدَّث عن محمودِ بنِ خِداش، ومحمدِ بنِ عَمرٍو، وابنِ أبي مَذْعور .. رَوى عنه أحمدُ بنُ كاملٍ القاضي، ومحمدُ بنُ أحمدَ بنِ يحيى العطشي".
ثم ساق له حديثًا واحدًا وَقع فيه مَكْنِيًّا بـ "أبي حرب"، فلا أدري أهي كنيةٌ أخرى له، أم تحرَّفت على الناسخ أو الطابع، ثم حكى الخطيبُ عن العطشي أنه قال: "تُوفِّي سنةَ ثلاثِمئِة"، ولم يَذكُرْ فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو مجهولُ الحال، وهو عِلَّةُ هذا الإِسناد الموصول، وهو غيرُ أبي بكرٍ محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ عليِّ بنِ عاصمٍ الأصبهانيِّ المشهورِ بـ "ابنِ المقرئ"، الحافظِ الثقة، فإنه متأخِّرٌ عن هذا نحوَ قرنٍ من الزمان، وهو من شُيوخِ ابنِ مردُويه، مات سنةَ (٣٨١) -إحدى وثمانين وثلاثِمِئة-، ووقع في "التذكرة" (٣/ ١٧٢) "ومئتين"، وهو خطأ.
فثَبَتَ ممَّا تقدَّم صوابُ ما كنَّا جَزَمْنا به قبلَ الاطلاعِ على إسنادِ ابن مردويه "أن العِلَّةَ فيه فيمَن دون أبي عاصمٍ النبيل"، وازدَدْنا تأكُّدًا من أنَّ الصواب عن عثمانَ بنِ الأسود إنما هو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ مرسلاً كما رواه الواحدي، خلافًا لرواية ابن مردويه عنه.