فلمَّا أنزل اللهُ سورةَ "والنجم" قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩ - ٢٠]، ألقى الشيطانُ عندها كلماتٍ حين ذَكَر الطواغيت، فقال:"وإنهنَّ لَهنَّ الغرانيقُ العُلى، وإن شفاعَتَهُنَّ لَهِيَ التي تُرتَجى"، فكان ذلك من سَجعِ الشيطانِ وفِتنتِه، فوَقَعت هاتانِ الكلمتانِ في قلبِ كلِّ مُشرِكٍ بمكة، وذَلَّتْ بها ألسنتُهم، وتباشَروا بها، وقالوا: إن محمدًا قد رجع إلى دينهِ الأول ودينِ قومِه، فلمَّا بَلَغ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آخِرَ "النجم" سَجَدَ، وسَجَد كلُّ مَن حَضَرَ مِن مُسلمٍ ومُشرِكٍ، ففَشَتْ تلك الكلمةُ في الناس، وأظهرها الشيطانُ حتى بَلَغت أرضَ الحبشة، فأنزل الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}[الحج: ٥٢]، فلمَّا بيَّن الله قضاءه، وبرَّأه مِن سَجعِ الشيطان، انقَلَب المشركون بضلالتهم وعُدوانهم للمسلمين، واشتدُّوا عليه" (١).
وأخرجه البيهقيُّ في "دلائل النبوة" عن موسى بنِ عُقبةَ، ساقه من "مغازيه" بنحوه، لم يَذكُرِ ابنَ شهابٍ كما في "الدر" (٤/ ٣٦٧) وغيره.
٣ - عن أبي العالية قال: قالت قريشٌ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُلساؤك عَبِيدُ بني فلان، ومولَى بنِي فلان، فلو ذَكَرتَ آلهتَنا بشيءٍ جالسناك، فإنه يأتيك أشرافُ العرب، فإذا رَأَوْا جُلساءَك أشرافَ قومِك كان أرغَبَ لهم فيك، قال: فألقى الشيطانُ في أُمنيته، فنزلت هذه الآية: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩ - ٢٠]، قال: فأجرى الشيطانُ على
(١) هذا "سياق الدر" وهو مختصر عن سياق "ابن كثير" ومما فيه: "فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطانُ في مسامع المشركين".