للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألقى الشيطانُ كلمتين على لسانِه: "تلك الغرانيقُ العُلى، وإن شفاعَتَهُنَّ لتُرتَجَى"، فتكلَّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بهما ثم مضى، فقرأ السورةَ كلَّها، وسَجَد وسَجَد القومُ جميعًا، ورَفَع الوليدُ بن المغيرةِ ترابًا إلى جبهتِه فسَجَد عليه، وكان شيخًّا كبيرًا لا يَقدِرُ على السجود، ويقال: إن أبا أُحَيْحَةَ سعيدَ بنَ العاصِ أخذ ترابًا فسَجَد عليه رَفَعه إلى جبهته، وكان شيخًّا كبيرًا، فبَعضُ الناس يقول: إنما الذي رَفع الترابَ الوليدُ، وبعضهم يقول: أبو أُحَيحة، وبعضهم يقول: كلاهما جميعًا فَعَل ذلك .. فرَضُوا بما تكلَّم به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: قد عَرَفنا أن اللهَ يحيي ويميت، ويَخلُقُ ويَرزُق، ولكن آلهتَنا هذه تَشفعُ لنا عنده، وأمَّا إذ جَعَلتَ لها نصيبًا فنحن معك، فكبُر ذلك على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من قولهم، حتى جَلس في البيت، فلمَّا أمسى أتاه جبريلُ - عليه السلام -، فَعَرَض عليه السورة، فقال جبريل: جِئُتك (١) بهاتَينِ الكلمتَينِ؟!! فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْتُ على الله ما لم يَقُلْ"، فأوحى الله إليه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: ٧٣ - ٧٥] ".

أخرجه ابنُ سعد في "الطبقات" (ج ١ ق ١ ص ١٣٧) (٢): "أخبَرَنا محمدُ بنُ عمرَ قال: حدَّثَني يونسُ بن محمدِ بنِ فَضَالةَ الظَّفَرِيُّ عن أبيه،


(١) كذا في الأصل وهو جائز على الاستفهام الإنكاري، وفي القرطبي نقلاً عن الواحدي "ما جئتك".
(٢) انظر طبعة دار صادر (١/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>