للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"العادلُ" أخو السلطان، فأمر الحاجبَ "حسامَ الدين لؤلؤ"، فعَمَر في بحر القُلْزُم مراكبَ بالرجال البحريَّة، ذَوِي التجربةِ من أهل النَّخْوة للدين والحَميَّة، وسار إلى أَيْلَة، فظَفِر بالمركبِ الفِرنجي عندها، فخرق السفينة وأخذ جُنْدها، ثم عدَّى إلى "عَيْذَاب"، وشاهَدَ بأهلها العذاب، ودُل على مراكبِ العدوِّ فتبِعها، فوقع بها بعدَ أيامٍ، فأوقع بها وواقعها، وأطَلَق المأسورِينَ من التجَّار، ورَدَّ عليهم كل ما أُخِذ لهم، ثم صَعِد إلى البَر، فوَجَد أعرابًا قد نزلوا منه شِعابًا، فركِبَ خَيْلَهم وراءَ الهاربين، وكانوا في أرضِ تلك الطُرق ضارِبينَ، فحَصَرهم في شِعْبٍ لا ماءَ فيه، فأسَرهم بِأسْرِهم، وكان ذلك في أشهُرِ الحج، فَسَاقَ منهم أسيرَيْن إلى "مِنى" كما يُساق الهَدي، وعاد إلى القاهرة ومعه الأُسارى، فكتب السلطانُ إليه بضربِ رقابِهم وقطع أسبابهم، بحيثُ لا تَبقَي منهم عَينٌ تطرِف، ولا أحدٌ يَخْبُرُ طريقَ ذلك البحرِ أو يَعْرف" (١).

حَبَّذَا لؤلؤٌ يصيدُ الأعادي … وسِوَاهُ من اللآلي يُصادُ

° وفي كتاب آخَرَ إلى بغداد: "كان الفِرْنج قد رَكبوا من الأَمْر نُكْرًا، وافتضوا من البحر بِكْرًا، وعَمَّروا مراكبَ حربيَّةً شحنوها بالمقاتِلة والأسلحة والأزواد، وضربوا بها سواحلَ اليمن والحجاز، وأثخنوا وأوْغلوا في البلاد، واشتدَّت مخافة أهل تلك الجوانب، بل أهلُ القبلةِ لِمَا أومَضَ إليهم مِن خَلَل العواقب، وما ظَنَّ المسلمون إلاَّ أنَّها الساعة، وقد نُشِرَ مَطوِيُّ أشراطِها، والدنيا قد طُوِي مَنشورُ بِساطها، وانتظرَ غضبُ الله لفناءِ بيتِه


(١) "عيون الروضتيْن" (٣/ ١٣٣ - ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>