للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأقدم لبلادِ العرب، وهنا نتعرَّف على التاريخ السياسيِّ والحضاريِّ لبلادِ العربِ القديمةِ الشماليةِ والجنوبية.

والآنَ، فإن الاقتباسَ من جنوبِ العرب لا يُعدُّ فقط أمرًا محتمَلاً، بل هو أمر راجح إلى أقصي حدٍّ .. أجل، فهناك في عبادةِ الإسلام، على كلِّ حالٍ أمورٌ كثيرةٌ مما كان في بلادِ العربِ القديمةِ بقَدْرٍ أكثرَ ممَا كان يفترضُه المرء في العادة.

ولكن الأمرَ الذي يُعدُّ بعيدَ الاحتمال جدًّا هو أن تكونَ التأثيراتُ العربيةُ الجنوبيةُ وحدَها هي كل شيء، فالأحرى أنه لا يَجوزُ التغاضي عن التأثيراتِ اليهوديةِ والمسيحيةِ والفارسية، ويُضافُ إلى ذلك أن مكةَ كانت مَدينةً لها صِبغةٌ عالميةٌ لدرجةٍ كبيرة، ومِن ناحيةٍ أخرى كان ظهورُ محمدٍ أمرًا غيرَ عاديٍّ إلى حدٍّ كبير (١).


(١) الديانات السماوية تختلف في طبيعها عن الديانات البشرية، فهذه تخضعُ لمنطقِ التأثير والتأثر .. ومن هنا يُمكنُ البحثُ عن أصولها وفروعها في حضاراتِ وديانات قديمة، أما الدياناتُ السماوية القائمةُ على الوحي الإلهي، فلا تخضعُ لهذا المنطق، وما يبدو فيها من تشابهِ يَرجعُ إلى وحدةِ الأصل الإلهي، والوحيُ اللاحقُ يصحِّحُ ما طرأ على الوحيِ السابق من عناصرَ غريبة، وقد بيَّن القرآن -وهو النصُّ الدينيُّ الذي لم تَنَلْه يدُ التحريف والتبديل باعترافِ كثير من المستشرقين، وعلى رأسهم "رودي بارت" صاحب أحدث ترجمة المانية للقرآن- بين ما طرأ على اليهودية والمسيحية من تصوُّرات لم يتضمنها الوَحْي الأصلي ولا صِلَةَ لها بالوحي الحقيقي، ومنذ أن كَشَف القرآنُ عن ذلك والحَملةُ مستمرةٌ من أتباع هذين الدينين ضدَّ الإسلام، ولا تزالُ قائمةَ لإظهاره بمظهر الدين البشريِّ الملفَّق من ديانات وحضاراتِ سابقة .. اهـ. ما قاله الدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه "الإسلام في تصورات الغرب" (ص ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>