للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت هناك فكرتانِ تتنازعانِ في عَقلهِ على السيطرة.

فمن ناحيةٍ كانت هناك فكرةٌ محكمةٌ عامةٌ للناس جميعًا بعد بَعثِ الأموات.

ومن ناحيةٍ أخرى كان هناك الخوفُ من المحاكَماتِ الجزئيةِ التي تتعرَّض لها من عصر إلى عصر الشعوبُ التي تتمرَّدُ على رُسُل الله.

وقد كانت هذه الأفكارُ المتمثِّلةُ في الكارثةِ النهائيةِ وبَعثِ الأمواتِ والحسابِ والنارِ والجنة، هي التي دَفعت محمدًا إلى إنعامِ الفِكرِ وإلي النبوَّة، وقد عَرَضت أقدمُ الآياتِ القرآنيةِ هذه القضايا بإثارةٍ عاطِفِيَّةٍ تكاد أن تكونَ في صورةٍ وحشيَّة، وقد اتَّخذت هذه القضايا فيما بعدُ اشكالاً أكثرَ ثَباتًا وأكثرَ تقليديةً، وأخيرًا عندما أصبح النبيُّ على رأسِ جماعةٍ تَحتَّمَ عليه أن يقومَ بتنظيمها، وعندما توقَّف الصراعُ ضدَّ الكفارِ -في مُحيطه- ظَلَّت عقيدةُ "العالم الآخر" عنصرًا أساسيًّا من عناصرِ الإسلام، ولكنَّ التصويرَ المثيرَ للعواطفِ بشأنِ يوم الحساب لم يَعُدْ يَظهرُ في الوحي المحمديِّ إلاَّ نادرًا (١).


= الكريمُ يَربطُ باستمرارٍ بينهما، فالإيمانُ باليوم الآخر ينبني على الإيمان بالله، ولا يُتصوَّرُ إيمان باليوم الآخر دونَ الإيمانِ بالله، يقول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .. } [البقرة: ١٧٧]. وقد ورد تعبير "الإيمان باليوم الآخر" مسبوقًا "بالإيمان بالله" في كل المواضع القرآنية التي ذُكر فيها اليوم الآخر.
(١) لم تكن هذه أفكارًا تتنازعُ في عَقل محمدٍ كما يزعمُ "هورجرونيه"، وإنما كانت وحيًا من عند الله، أمَّا كونُ الحديثِ عن البعثِ والحسابِ والجنةِ والنار .. إلِخ قد جاء في البداية في صورة تُثيرُ العواطفِ وتَهُز القلوبَ، فذلك يرجعُ إلى أن القلوب كانت فِعلاً في حاجةٍ =

<<  <  ج: ص:  >  >>