للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أنْ وَصَف "سنوك هورجرونيه" صِلاتِ محمدٍ باليهودية والمسيحية يَطرحُ السؤالَ عن الدافع المحدَّدِ لبَعثتِه النبوية.

لقد كان المرء في السابق يَرى بطريقةٍ عامةٍ أن مِحورَ دعوةِ محمدٍ يتمثَّلُ في كِفاحِه ضدَّ الوثنيةِ لصالح "عقيدةِ" التوحيدِ الصارم، ومن المؤكَّد -كما يرى "سنوك هورجرونيه"- أن وِحدةَ الله كانت تُمثِّلُ أحدَ الأعمدةِ الرئيسيةِ للإسلامِ، وقد نالت هذه العقيدةُ -فيما بعدُ- أهميةً متنامِيةً باستمرار، ولكن الحماس للدفاع عن الوحدةِ الالهيةِ ضذَ الوثنيةِ وضدَّ التثليث .. إلخ لم يكن بالنسبةِ لمحمدٍ هو الدافعَ المحدَّدَ لبعثتِه النبوية، فقد كانت هناك بالأحرى منذُ البدايةِ فكرةٌ احتَلَّت مكانَ الصدارة من تفكيره وسلوكِه، وهي فكرةُ "يوم الحساب"، فالأمرُ الذي كان يُقلِقُه هو الاقتناعُ بأن الناسَ جميعًا سوف يُضطرُّون في يومٍ من الأيام للمُثول أمامَ الله للحساب، وأنه لن يكونَ أمامَهم مَخرجٌ آخَرُ غيرُ بابِ النارِ أو بابِ الجنة (١).


= آياتٍ مكيةٍ وسَبعٌ وثلاثون مرةً في آيات مدنية. وقد جاء الأمرُ باتباع مِلَّةِ إبراهيم أولاً في آيةٍ مكية في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣]، وتكرر هذا المعنى في أكثرَ من آيةِ مَدَنية، مثل قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: ٧٨]، وقوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: ٤]، أما بِناءُ الكعبةِ، فقد تم علي يد إبراهيمَ وإسماعيل عليهما السلام، كما ورد ذلكَ في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: ١٢٧].
ويريد "هورجرونيه" -كعادةِ غالبية المستشرقين- أن يُصوِّرَ علاقة محمد - صلى الله عليه وسلم - بإبراهيمَ وإسماعيلَ -عليهما الصلاةُ والسلامَ- بأنها أسطورةٌ كانت تدورُ في عقل محمد إنطلاقًا من زعمه الباطل بأن القرآن ليس وحيًا حقيقيًّا من عند الله.
(١) الإيمانُ باللَه الواحدِ الذي لا شريكَ له مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالإيمانِ باليوم الآخر، والقرآ

<<  <  ج: ص:  >  >>