ومما وَرَد في الكتاب في تعليل إسلام عُمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - بأن سِرَّ انقلابِ عُمرَ من اضطهادِ أُختِهِ وضَربِها إلى مجاراتِها والمبادرةِ باعتناقِ الإسلام، بأنه تأثر مِن رؤيتِها مجروحةً بسببِ قَسوتِه وتَسرُّعِه، فأحبَّ أن يُكفِّرَ عن سيئته هذه، فأظهر إعجابَه بالقرآن، ورَضِي الإسلام دينًا (١).
يتصفَّحُ الناقدُ هذا الكتابَ فيتمثلُ صاحبَه إذ أَخذ يُدافعُ عن اليهود كأنه يهوديُّ المنبَت، وإذا كتب للدفاع عن النصارى فكأنه هو نصرانيٌّ صميم .. وإذا ذَكَر حوادثَ الوثنيين من العرب، وما أصاب النبيَّ من أذاهم وكيدِهم طَرِبَ طَربه ممن دبَّر تلك الحكايةَ، وأمعن في إيصالها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقد اشتُهر مستر "مرجليوث" بقُدرتِه البليغةِ وعلمه الواسع باللغة العربية، وأنا لا أريدُ أن أذكرَ هنا رأيي في هذا المستشرق الشهيرِ اكتفاءً بحادثةٍ وقعت لنا في جامعة "أكسفورد"، ذلك أنني كنتُ مدعوًّا معه في بعض المنازل، فلمَّا كنَّا على المادة، سألني بعضُ الحاضرين: هل سَبَق لي أكلُ لَحم الجَزُور، فأجبته أنني لا أذكرُ ذلك، وربما اتفق لي هذا وأنا صغير، فلمَّا سمع الأستاذ "مرجليوث" هذا الكلام قال: كيف ذلك، وعلى كلِّ مسلم فَرضٌ أن يأكلَ لَحمَ الجِمالِ ولو مرةً واحدةً في حياته؛ لأنه من قواعدِ الإسلام، عند ذلك أجبتُه -وأنا دَهِشٌ مما قال-: يا سيدي، إنَني أَعرِفُ أن قواعدَ الإسلام خمس، أمَّا هذا السادسُ، فلا أعرفُه، بَيْدَ أني أستميحُ الأستاذَ عَفوًا أن يذكرَ لي مأخذَ هذا الحُكم! فقال: إنه وَرَد في "صحيح البخاري" أنه قد جاء أحدُ اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: "إني جئت
(١) هذه القصة مشهورة في بعض كتب التاريخ، لكنها لا تصحُّ -كما ذَكَر حُفَّاظُ الحديث .. فانتبه.