لكنْ آخِرُ ما نتوقَّعُه من القرآن -وهو ادِّعاءٌ بكلِّ ما في الكلمة من معنًى- أن يكونَ صادقًا دالاًّ على الحقيقة، فهناك أدلَّةٌ كثيرةٌ من هذا الوحي الزائفِ نفسِه تدلُّنا على أن الكتابةَ كانت شائعةً بين العرب في تلك الأيام، فالوصيةُ التالية التي وردت في القرآن (الكريم) تؤكِّدُ ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ .. }[البقرة: ٢٨٢].
نحن نعلمُ أيضًا أنَّ عليًّا بنَ أبي طالب -وهو ابنُ عم محمدٍ الذي تربَّى مع محمد- أصبح بعد ذلك أحدَ الذين كَتبوا له (المقصود أحدُ كُتَّابِ الوحي)، وقد اختار منهم محمدٌ عددًا لعملِ نُسَخٍ من القرآن (الكريم) مرتبةً على حَسَبِ تعاقُبِ نزولها .. كيف يُعقل إذَنْ أن أبا طالبٍ عَلَّم ابنَه الكتابةَ ولم يُعلِّم ابنَ أخيه؟.
وأكثرُ من هذا، فقد كانت مكةُ ملتقَى حركةٍ تجارية، ولابد أن التجَّارَ كانوا يُحِسُّون -كلَّ ساعةٍ- بحاجتهم إلى تسجيلِ صَفقاتهم ومعاملاتِهم المالية، ونعلمُ أن محمدًا ظلَّ لعدَّةِ سنواتٍ يعملُ في التجارة قبلَ أن يبدأ دعوتَه إلى الدينِ الجديدِ، فمِن غيرِ المحتمَل ألاَّ يكونَ عارفًا باستخدامِ الحروف".
* ويقول (ص ٤٢): "لكنَّنا لا ندري كيف ساعد آخَرون محمدًا في تدبيج القرآن؟ إننا لا نستطيعُ أنْ نَحُلَّ هذه المشكلة، أو بتعبيرٍ آخَرَ لا نستطيعُ أن نَصِلَ فيها إلى نتيجةٍ مُرضِية".