للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله النبيُّ مُلقِيًا الملامةَ على مَن لم يُصدِّقوه، وبذا خَلَّص زعيمَه (يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم -) من هذه الورطةِ التَّعِسة، لقد أعلَنَ بجسارةٍ تصديقَه للنبيِّ قائلاً: "إنه إن كان قد قال ذلك فقد صَدَق".

إن هذا الحَدَثَ الملائمَ لم يُجدِّدْ -فحسب- الإيمانَ بالنبيِّ، وإنما زادَه لدرجةٍ جَعَلَتْه متأكِّدًا من قُدرتِه على وَضعِ أيِّ حكايةٍ يريدُ أن يُصدِّقَها أتباعُه سريعي التصديق، وهكذا وجدنا أن هذه الحكايةَ الرديئةَ عديمةَ المعنى -التي هَدَّدت في البداية بدفنِ كلِّ ادعاءاته في مهدها- قد عَمِلت في الحقيقةِ على زيادةِ نجاحاتِه لمواكبتها لبعضِ الظروف، وهكذا حَمَل أبو بكر لقبَ التشريف والكرامة، ألا وهو "الصدِّيق".

ونَعلمُ مِن "سيل" الإنجليزي الذي شَرَح القرآن أنه لَا يزالُ هناك خلافٌ -على نحوٍ ما- بين العلماءِ المسلمين حولَ ما إذا كان العروجُ بالنبيِّ إلى السماوات كان بالجسدِ أم بالروح (أي أنه رؤيا منامية)، فبعضُهم يَرى أنه مجردُ رؤيا أو حُلمٍ، معتمِّدِين على روايةِ معاوية (بن أبي سفيان)، ويرى آخرون أنه أُسرِي به ببدنه إلى القدس، أما العروجُ للسماء فكان بالروح.

لكنَّ الرأيَ السائدَ أن الإسراءَ والمعراج كانا بالجسد، ويَرُدُّ القائلون بهذا على المعترِضين بأن الله على كلِّ شيءٍ قدير، وليس من المُحتَمَل أن يكون هدفُ محمدٍ مجردَ إدهاشِ أتباعه، فالمراقِبُ اليَقِظُ لخصائصِ الإسلام المميِّزةِ له لن يَفشَلَ في اكتشافِ ما لا يُحصى من أوجُهِ الشبه بين هذا النظام (الإسلامي) والدينِ اليهوديِّ الذي أَوحى به الله، ويبدو أن المدَّعي (يقصد المصطفى عليه الصلاة والسلام) يَقصِدُ التشُّبهَ بموسى - صلى الله عليه وسلم - على قَدْرِ ما يُمكنُه، وَيقصِدُ أن يُدخِلَ في دينِه أكبرَ قَدْرٍ من التفاصيل الموجودةِ في

<<  <  ج: ص:  >  >>