وصل نابليون بجيشه تُجاهَ يافا يوم ٣ من مارس ١٧٩٩ م، وكان الجيشُ العثمانيُّ بقيادة "عبدِ الله باشا الجزار"(١١٣٢ - ١٢١٩ هـ/ ٠ - ١٧٢١٨٠٤ م) ممتنعًا بها، فحاصرها نابليون بجنوده، واستولى عليها يوم ٧ من مارس، بعد معركةٍ شديدةٍ قُتل فيها من الجنود العثمانيين ٢٠٠٠ قتيل، ودخل الفرنسيون المدينة، وأعمَلوا فيها السيفَ والنار.
لقد نهب الجنود الفرنسيُّون "يافا"، وارتكبوا فيها من الفظائع ما تقشعرُّ منه الأبدان -باعترافِ المؤرِّخين الفرنسيين- واستمرَّ النهبُ والقتلُ يومين متواليين، واضطُّرَّ الجنرال "روبان" -الذي عَيَّنه نابليون قائدًا للمدينة- أن يَقتلَ بعضَ الجنودِ لإعادةِ النظام، فذهب جَهدُه عَبثًا، ولم ينقطعِ النهبُ إلاَّ بعد أن كَلَّ الجنودُ من الاعتداءِ وسَفكِ الدماء!!.
ولم يكدْ ينقطعُ النهبُ لمدينة "يافا"، حتى أعقبته مأساةٌ أخرى أشدُّ هَولاً وفظاعة، ذلك أنه بعدَ انتهاءِ المعركةِ ودخولِ الفرنسيين المدينة، كان بها من الجنودِ العثمانيين نحوُ ثلاثةِ آلاف مقاتِل، آثَروا التسليمَ وإلقاءَ السلاح في يدِ الفرنسيين بشروطٍ اتفقوا عليها مع اثنين من ياوران نابليون، وهما "بورهارنيه، وكروازييه"، ومن هذه الشروط: أن تُضمنَ لهم أرواحُهم بعد التسليم، وتَعهَّد الياوران بذلك باسم القائد العام "نابليون"، وتلقاهم الفرنسيون كأسرى حرب، ولكن نابليون -بعد أن فكر طويلاً في أسرهم، وتردَّد في شأنهم-، أَمَر بإعدامهم جميعًا رميًا بالرصاص، فسِيق أولئك الأسرى إلى شاطئِ البحر وأُعدِموا جميعًا رميًا بالرصاص" (١).
(١) "تاريخ الحركة القومية" (٢/ ٢٩، ٣٠) - طبعة القاهرة.