- إن التأمُّلَ في الواقع ليس داخلَ الدانمرك فحسب، بل على صعيدِ أوروبا قاطبةً، إن لم نَقُلْ العالَم؛ يدفعُ إلى الخشيةِ من أن تكونَ هذه الفَعلةَ عبار عن (بالون اختبار) لجسِّ نبضِ الساحة داخليًّا وخارجيًّا، ومِن ثَمَّ سيكونُ مستوى الردِّ مؤشرًا على حَجم وقوة وتفاعل المسلمين ومدى بقاءِ الإسلام حيًّا في نفوسهم، ثم يَتبعُ ذلك تعميمٌ لهذه التجربة ونتائجها، وهذا ما نخشاه أن يُجعَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مَحلَّ تجربةٍ "والعياذ بالله"، ويَعقُبُ ذلك خطوط متبنَّاة في الغرب حسبَ إيحاءاتِ مستوى ردَّةِ الفعل الإسلامي.
البيان: ألَا يتعارضُ ذلك مع حرية التعبير؟ وهل تجرؤُ الصحفُ الدانماركيَّة بفتح المجال لنقدِ الصهاينةِ وبخاصَّةٍ مسألة (الهولوكولست) التي استُغلَّت أيما استغلال مما يفضحُ ديمقراطيَّتهم المزعومة؟.
- المشكلةُ أن التخفِّي وراءَ شعارِ حرية التعبير، يُعتبرُ حَيدةً عن الحقيقة، وذلك أننا نجدُ المعاييرَ مزدوجةً، وإننا لَنعجبُ لَمَّا تكونُ الحريةُ في أوسع مجالاتها عندما يتعلَّقُ الأمرُ بالإساءة للاسلام، أما في غيرِه فإنَّا نجدُ لها حُدودًا، فإن الكلامَ عن الساميةِ عمومًا فضلاً عن التشكيك في المحرقة أصلاً أو وصفها حجمًا وكمًّا، ومجردَ الحديث عن ذلك لا يُسمح به تحتَ ذريعةِ حريةِ الرأي والتعبير؛ فهذه الأمورُ رَيبٌ وشُكوك؛ علمًا أن الحريةَ بمعناها المعروفِ أنها التي تنتهي عندما تبدأُ حريةُ الآخرين.
وقد يكون حَسَنًا هنا التنبيهُ في وقتٍ يُرادُ أن يصوَّر فيه المسلمون على أنهم الأعداءُ العِظامُ للحرية، فنقول: إن الحريةَ أمرٌ قد نادى به دينُنا حتى في أدقِّ الأمور، بل أجلِّها وهو التوحيد:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: ٢٥٦]، فالخلاصة أن الحريةَ تَكفُلُ لك أن تَدينَ بما تشاء، لا أن تتهكمَ بمن تشاء.