للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامتَزَج بها: "مَن لا يتحاورُ بالكلمةِ فإنه يُعارِضُ طبيعةَ الرب".

- هنا يمكنُ ملاحظةُ أنه في نهاياتِ العصرِ الوسيطِ ظَهرت اتجاهاتٌ في التفسير الدينيِّ تَجاوزت التركيبةَ اليونانيةَ والمسيحية، فتميَّزت مواقفُ تقتربُ مما قاله ابنُ حزمٍ وتتأسسُ على صورةِ تعسُّفِ الربِّ الذي لا يَرتبطُ بحقيقةٍ أو بخيرٍ.

-الاستعلاءُ -الذي هو الطبيعةُ المخالفةُ للرب- نجاوزت المدى، لدرجة أنَّ رُشدَنا وفَهمَنا للحقيقةِ والخيرِ لم يَعُدِ المرآةَ الحقيقيةَ للرب، وتَظلُّ إمكانياتُها غيرُ المحدودةِ مخفيةً وغيرَ متاحةٍ لنا إلى الأبد، في مقابل ذلك تمسَّكَ الاعتقادُ الكَنَسي بحقيقةِ أنه يوجدُ بيننا وبين الربِّ وبين رُوحٍ الخَلقِ الأبديةِ وبين عَقلِنا تطابقٌ.

- وختامًا فرغمَ كل السرورِ الذي نَرى به الإمكانياتِ الجديدةَ التي أدخَلَها الإنسانُ، نرى أيضًا التهديداتِ التي تتنامى مِن هذه الإمكانيات، ويجبُ أن نسألَ أنفسَنا: كيف يمكنُ أن نسيطرَ عليها، ولن يمكنَنا ذلك إلاَّ إذا تلاقى العقلُ والإيمانُ بصورةٍ جديدة، ومِن خلال ذلك فقط يمكنُنا أن نكونَ مؤهَّلين لحوارٍ حقيقيٍّ بين الحضاراتِ والأديانِ الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه.

العقلُ الذي يكونُ فيه الجانبُ الربانيُّ أصمَّ -والدينُ ينتمي إلى الثقافاتِ الثانوية- هو عقل غيرُ صالحٍ لحوارِ الحضارات، وقد قال "مانويل الثاني": "إنه ليس من العقل ألاَّ يكونَ التحاورُ بالكلمة؛ لأن ذلك سيكونُ معارضًا لطبيعة الرب"، قال ذلك من خلال منظورِه لصورةِ الربَّ المسيحية، لمحاوِرِه الفارسي .. بهذه الكلماتِ وبهذا البُعدِ من العقل ندعو لحوارِ الحضاراتِ مع شركائِنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>