وجاء الدينُ هاديًا للعقل في هذه المسائل بالذات؛ لأن العقلَ إذا بَحث فيها مستقلاًّ بنفسه، فإنه لا يَصِلُ فيها إلى نتيجةِ يتَّفقُ عليها الجميع.
ومعنى ذلك: أنه لو تُرك الناسُ وعقولَهم في هذه المسائل، فإنهم يختلفون ويتفرَّقون فِرَقًا عديدة، ويتنازعون، ولا ينتهي الأمرُ بهم إلى الوِحدةِ والانسجام، ولا إلى الهدوءِ والطمأنينة.
* وقد أراد الإِسلامُ مِن المسلم أن يستمسكَ بالمُحكماتِ استمساكًا تامًّا، وأن يعتصمَ بها اعتصامًا كاملاً:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران: ١٠١].
وأن يُسلِّمَ الأمرَ لله في المتشابه، اللَّهم إلاَّ إذا فَتح اللهُ عليه بوساطةِ الإِلهامِ الإِلهيِّ عن شيءٍ من أسرارِ هذا المتشابِهِ الذي لا يُناقِضُ العقلَ، ولا يتعارضُ مع مبادئه.
٣ - وجاء القرآن حاسمًا لا يتردَّدُ ولا يُقِرُّ الترددَ، ولا يَتشكَّكُ ولا يُقِرُّ التشككَ، وكان الأمرُ كذلك لأنه جاء بالحق، الحق الذي لا يأتيه الباطلُ مِن بين يديه ولا مِن خَلفِه، الحقِّ المعصوم، لقد جاء بالحقِّ العاقل المعقول، الحقِّ المُتَّزِنِ الموزون، لقد جاء بالحقِّ الذي كلُّ ما عداه باطلٌ، ولقد تَركَّز الحقُّ في