مسائل الدين بين دَفَّتَيْ هذا الكتابِ المُوحَى، وفيما أخبر به الرسولُ صلواتُ الله وسلامُه عليه، شرحًا له وتفسيرًا وإبانةً، وعلى مَن أسلم أن يتَّبعَ هذه المبادئَ أو هذا الحق اتباعًا لا تردُّدَ فيه ولا انحرافَ عنه.
٤ - وجاء القرآنُ لا يَستشيرُ الإنسانَ في شيءٍ، وتعالى الله عن أن يستشيرَ المخلوقَ، وتعالى الربُّ عن أن يستشيرَ المربوب، وتعالى العليمُ الحكيمُ عن أن يحتكمَ إلى البشر أو يُحكِّمهم فيما أنزله إليهم هدايةً وتربيةً.
° هذا هو موقفُ الدينِ من العقل، وهو موقفٌ يُقِرُّنا عليه كلُّ مَن له شعورٌ دينيٌّ سليم، وهو موقفٌ تُرشدُنا إليه الآياتُ السابقةُ نفسها، ونأخذُ منها -كمِثالٍ عام- قوله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف: ٢٩].
في هذه الآيةِ الكريمة: يأمرُ اللهُ سبحانه وتعالى رسولَه - صلى الله عليه وسلم - أن يُخبِرَ بأنَّ ما أتى به إنما هو الحقُّ، وإذا كان هو الحقَّ، فإنَّ كلَّ ما عداه باطل، وما مِن رَيبٍ في أنَّ كلَّ شخصٍ يُعمِلُ فِكرَه، ويُجِيلُ نَظَرَه ويتأمَّلُ في هذا الحق: فإنه لا مَحالةَ -إذا أخلَصَ- سينتهي بالاعترافِ والإقرارِ والإيمان.
أما مَن أضرَبَ عن ذلك صَفْحًا، واتَّبع الآباءَ والأسلافَ -لمجردِ أنهم آباءٌ وأسلافٌ-، فإن مَثَلَه كمَثَلِ البهيمة التي تَسيرُ وراءَ أصحابِها لمجردِ أنهم يقودونها، وتتبعُهم لأنهم يَسيرون أمامها!.
ومَن شاء مِن الناس أن يؤمنَ بهذا الحقِّ الذي ليس بعدَه إلاَّ الباطل،