الخيرَ خيرًا، وأصبحت مِن الضلال بحيث تَرى الخيرَ شرًّا والشرَّ خيرًا، وأصبح أصحابُها كالأنعام -بل هم أضلُّ سبيلاً-، كلُّ ذلك لانحرافِكم عن الصراطِ المستقيم.
إنَّ اللهَ -في عظمتِه وجلالِه سبحانه- لا يُلقي برسالتِه لِيبحَثَها الإنسانُ ويُبديَ فيها رأيَه نفيًا أو إثباتًا، سَلْبًا أو إيجابًا .. كلاَّ، بل كلُّ من تَوهَّم ذلك فإنه لا يَقْدِرُ اللهَ حق قَدْرِه، وتعالى اللهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا، وإنما ألقاها سبحانه لِتُتَّبَع، ولِتُتّبَعَ في خضوعٍ وسجود، ولِتُتّبَعَ دونَ حَرَجٍ يَحيكُ في الصدر، أو شَكٍّ يجولُ في النفس:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥].
وكلُّ مَن وَجَد في نفسِه حَرَجًا من قضايا الدين، وكلُّ مَن لم يُسلِّمْ تسليمًا كاملاً مطلقًا تامًّا، كل مَن كان كذلك، فإنه يَحسُنُ به أن يَرجعَ إلى إيمانِه لِيُصحِّحَه، ولْيتُبْ إلى الله توبةً نصوحًا، وبابُ الله مفتوحٌ للتائبين آناءَ الليل وأطرافَ النهارِ -وفي كلِّ لحظة-.
كان سَلفُنا الصالحُ يَنزِعون هذه النَّزعة -نزعةَ الخضوع المُطلَقِ لِمَا جاء به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -، لقد كانوا يَسجُدون للنص، يَسجدون له بجوارحِهم وقلوبِهم، وأرواحِهم وعقولِهم، لقد كانوا يُخضِعون عقولَهم للنص، ويَجعلونه القائدَ الحَكَمَ المُهيمِنَ .. وكانوا يَعرفون أن إدخالَ شخصيتِهم في النصِّ إنما هو انحرافٌ يَعظُمُ أو يَقِلُّ بحسب مَدى التدخُّلِ البشريِّ في النص، وكانوا يَعرفون أن الوحيَ إنما جاء هاديًا للعقل وقائدًا له في الأمور