السفيرِ بينه وبين الخَلقِ من طريقِ الوحي، وبابِ المناجاة، وشهادةِ الآيات، وظهورِ المعجزات، وفي أثنائها ما لا سبيلَ إلى البحثِ عنه والغَوصِ فيه، ولا بدَّ من التسليم المدعوِّ إليه والمُنَبَّهِ عليه، وهناك يَسقُط "لِمَ؟ " ويَبطُلُ: "كيف؟ " ويزول: "هلاَّ؟ " وتذهبُ: "لو" و"لَيت" في الريح!.
ولو كان العقلُ يُكتفى به، لم يكن للوحيِ فائدةٌ ولا غَناء.
على أن مَنازلَ الناسِ متفاوتةٌ في العقل، وأنصباءَهم مختلفةٌ فيه، فلو كنا نستغني عن الوحي بالعقل، كيف كنَّا نصنعُ؟ وليس العقلُ بأَسره لواحدٍ منا، فإنَّما هو لجميع الناس .. ولو استقلَّ إنسانٌ واحدٌ بعقلِه في جميع حالاته، في دينِه ودنياه، لاستقلَّ أيضًا بقُوَّته في جميع حاجاته، في دينِه ودنياه، ولكان وحدَه يَفِي بجميع الصناعاتِ والمعارفِ، وكان لا يَحتاجُ إلى أحدٍ من نوعِه وجِنسه، وهذا قولٌ مردود، ورأيٌ مخذول" (١).
° يقول الشيخ الجليل أبو سليمان المنطقي: "إن منازلَ الناس متفاوتةٌ في العقل، وأنصباءَهم مختلفة فيه"، معنى ذلك أن هذا الذي يَروقُ لشخصٍ عقليًّا، ربما لا يَروقُ لغيره عقليًّا، ويَجبُ من أجل ذلك ألاَّ يتدخَّلَ العقلُ في الدين، وإلاَّ لاختلف الناسُ باختلافِ عقولهم، وادَّعى كلٌّ أنَّ ما هو عليه إنما هو الحقُّ، وما عليه غيرهُ هو الباطل، ونَتَج عن ذلك اتَّباعُ كلٍّ أهواءه.