وحيٍ، لكنْ لم يَفعل بهم ذلك، فلذلك يَنبغي أن يكونَ ما تُفيده المِللُ من العلوم: ما ليس في طاقةِ عقولِنا إدراكُه، ثم ليس هذا فقط، بل ما تَستنكرُه عقولُ بعضٍ منَّا، فإن ما تستنكرُه بعضُ العقولِ وتَستبشعُه بعضُ الأوهامِ قد لا يكونُ في واقعِ الأمرِ منكَرًا ولا بشعًا.
فإن الإنسانَّ -وإن بَلَغ نهايةَ الكمالِ في الإنسانية-، فإنَّ منزلتَه عند ذوي العقولِ الإلهية- العقولِ التي استنارت بالوحي وسَمَتْ بالمبادئِ الإلهية- منزلةُ الصبيِّ والحَدَثِ والغَمْرِ (١) عند الإنسانِ الكامل.
وكما أن كثيرًا من الصِّبيان والأغمار يستنكرون بعقولهم أشياءَ كثيرةً مما ليست في الحقيقةِ مُنكرةً ولا غيرَ ممكنة، ويقعُ لهؤلاء أنها غيرُ ممكنة؛ فكذلك مَنزلةُ مَن هو في نهايةِ كمالِ العقل الإنسيِّ عند العقولِ الإلهيةِ التي أفاض اللهُ عليها من نورِه وغَمَرها بإلهاماته، وكما أن الإنسانَ -مِن قَبل أن يتأدَّبِ ويَتحنَّكَ- يستنكرُ أشياءَ كثيرةً ويستبشعُها، ويُخيَّلُ إليه فيها أنها مُحالةٌ، فإذا تأدَّب بالعلوم واحتَنَك بالتجارِب زالت عنه تلك الظنونُ فيها، وانقَلبت الأشياءُ التي كانت عنده مُحالةً، فصارت هي الواجبةَ، وصار عنده ما كان يتعجَّبُ منه قديمًا في حدِّ ما يتعجَّبُ من ضدِّه.
كذلك الإنسانُ الكاملُ الإنسانية، لا يُمتنع من أن يكونَ يَستنكرُ أشياءَ ويُخيَّلُ إليه أنها غيرُ ممكنة، مِن غيرِ أن تكونَ في الحقيقةِ كذلك.
° وَيشرحُ الشيخُ الجليل أبو سليمان المنطقي كلَّ ذلك، في دقةٍ دقيقة، وفي أسلوبٍ جميل فيقول: "إن الشريعةَ مأخوذةٌ عن الله عزّ وجل بوَساطةِ