للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مصلحةٍ ومفسدة، ولا تعلمُ العقولُ: مفسدتُه أرجحُ أو مصلحته؟ فيتوقف العقل في ذلك، فتأتي الشرائعُ ببيان ذلك، وتأمرُ براجح المصلحة، وتَنهى عن راجح المفسدة، وكذلك الفعلُ يكونُ مصلحةً لشخصٍ، مفسدةً لغيره، والعقلُ لا يدرك ذلك، وتأتي الشرائعُ ببيانه، فتأمرُ به مَن هو مصلحةٌ له، وتَنهى عنه من حيثُ هو مفسدةٌ في حقِّه، وكذلك الفعلُ يكونُ مفسدةً في الظاهر، وفي ضمنه مصلحةٌ عظيمة لا يَهتدي إليها العقلُ، فتجيءُ الشرائعُ ببيانِ ما في ضِمنهِ من المصلحةِ والمفسدةِ الراجحة" (١).

° وفي هذا يقولُ ابنُ تيمية: "الأنبياء جاؤوا بما تَعجِزُ العقولُ عن معرفته، ولم يجيؤوا بما تعلمُ العقولُ بُطلانَه، فهُم يُخبرون بمُحاراتِ العقول، لا بمحالات العقوِل" (٢).

٤ - ما يتوصَّلُ إليه العقلُ -وإنْ كان صحيحًا-، فإنه ليس إلا فَرْضيَّات، قد تَجرِفُها الآراءُ المتناقضةُ، والمذاهبُ المُلحِدة.

ولو استطاعت البقاءَ فإنها -في غَيبةِ الوحي- ستكون تخميناتٍ شتَّى، يلتبسُ فيها الحقُّ بالباطل (٣).

٥ - "البراهمةُ -وهم طائفةٌ من المجوس- زعموا أن إرسالَ الرُّسلِ عَبَثٌ، لا يليقُ بالحكيم؛ لإغناءِ العقل عن الرسل، لأن ما جاءت به الرسلُ، إن كان موافقًا للعقل حَسَنًا عنده، فهو يفعلُه -وإن لم يأتِ به-، وإن كان


(١) المصدر السابق (٢/ ١١٧).
(٢) "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (٢/ ٣١٢).
(٣) "الرسل والرسالات" للأشقر (ص ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>