احبِسوا أنفاسَكم، وافتحوا عيونَكم عن آخِرِها، وارهَفوا سمعَكم .. نحن الآن في دار أوبرا برلين في ألمانيا .. أضواءُ الصالةِ تُطْفأ، وأنوارُ المسرح تضاء .. المشهدُ أمامَنا مرعِبٌ مثيرٌ ويَقطرُ دمًا .. بَطَلُ المسرحية "إيدومينو" ملك كريت يَظهر على المسرح وملابسُه البيضاء ملطَّخةٌ بالدماء، وهو يَحملُ حقيبةً كبيرةً مليئةً برؤوس بشريةٍ مقطوعةٍ .. يُخرِجُ البطل الرؤوسَ البشريةَ واحداً بعد الآخر وهي تقطر دمًا، ويَضَعُ كلَّ واحدٍ على كرسي أسودَ قصير .. الرأسُ الأول للإله "بوذا"، والثاني للمسيح عيسى بنِ مريم عليه السلام، والثالث لنبيِّ الله محمدِ بن عبد الله، والرابعُ "لبوسيدون" إلهِ البحرِ عند الإغريق .. الرؤوسُ الأربعة تقطر دمًا يَسيل على الكراسيِّ وخشبةِ المسرح!
المشهدُ الأخيرُ في المسرحية:"الرؤوسُ الكريمة المقطوعةُ" لم يكن أبدًا في صُلبِ المسرحية التي كتبها "موتسارت" أشهرُ موسيقارٍ في تاريخ ألمانيا في عام ١٧٩١ .. ولم يَخطُرْ على بالِ المؤلف قبلَ مئتين وخمسةٍ من الأعوام .. ولكنه مَشهدٌ أضافته العبقرية الألمانية في الإبداع الفنيِّ وحريةِ الرأي والفكر .. لكي يكونَ مشهدُ النهايةِ رسالةً صريحةً وملعونةً ووقحةً -كما تقولُ الزميلة "الفجر"- إلى الدنيا كلها .. رسالةٌ تقول:"إن الآلهةَ -كلَّ الآلهة- قد ماتت، وإن على الإنسان أن يتولَّى قَدَرَه ومصيرَه بنفسه".
والفكرةُ العبقريةُ الألمانية الشيطانيةُ ليست غريبةً على الفِكرِ والفنِّ والأدبِ والإبداع الأوروبي -والألمانيِّ بالذات-، أليست ألمانيا بلدَ الفيلسوف "نيتشه" الذي أعلن من قبل أن الله قد مات؟.
° هل تريدون أن أُلقِيَ مزيدًا من أعوادِ الكبريت على فَحيحِ غضبِكم