الوعودِ التي قَطَعها لهم ضِمنَ هذا التوجُّهِ الغرائزي، يتابعُ "الأكويني" السَّيرَ في هذا المَنْحَى المتحيِّز، مؤكِّدًا أن محمدًا أَسَّس قواعدَه وأحكامَه التشريعية، التي تتناسبُ مع قدراتِ وإمكاناتِ العقل والمتوسِط وحسب (١).
فهكذا كان يُقدَّم الإسلامُ لأبناء أوروبا في القرونِ الوسطي، وتَشكَّلت مِن جَرَّاءِ ذلك الصورُ النمطيةُ التي لا تَزالُ عالقةً في الفكر الأوروبي.
إن الصورةَ النمطيةَ عن نبيِّ الإسلام في الغربِ هي صورةٌ بشعةٌ وليست إيجابيةً؛ رَغمَ ما يُنشَر في العالَم الغربي مؤخَّرًا من أقوالِ بعضِ المنصفين التي تُصوَّرُ وكأنها تُمثِّلُ إجماعًا غربيًّا حول الموقف من الرسول، هناك اختلافٌ حقيقيٌّ في الرؤيةِ حولَ الرسولِ صلوَّات الله وسلامه عليه بين العالَم الإسلامي وبين شعوب الغرب.
إن الرسومَ المسيئةَ عن نبيِّ الإسلام التي نُشرت في الدانمرك في بداية عام ٢٠٠٦ م، وقُوبلت بالغضبِ الشديد في العالَم الإسلامي، أظهَرت هذا الاختلافَ الشديد في الرؤية.
إن الشعوبَ الغربيةَ لم تتفهَّمْ سببَ انفعالِ المسلمين لهذه الدرجة؛ ليس لانعدام حساسيةِ تلك الشعوبِ تجاه العالَم الإسلاميِّ ومشاعِرِ الغضب التي اشتَعلت فيه، وإنما بسبب عدم حساسيتهم للهجوم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي تقبَّلته عقولهم ونفوسهم دون أيِّ حساسيةٍ عاطفيةٍ بسببِ تراكمِ الصورِ السلبيةِ عن النبي في نفوسهم.
(١) "الاستشراق" لإدوارد سعيد ترجمة كمال أوديب -مؤسسة الأبحاث العربية- بيروت (ص ٩٦ - ٩٨).