وتَبِعةً من تَبِعات الحياة .. فالكلمةُ الطيبة رحمة، والنظرةُ العاطفةُ رحمة، والصَّفح الجميل رحمة، وعيادو المريض رحمة، بل وتشميتُ العاطسِ رحمة .. وسنفرد لرحمته الحانية فصلاً خاصًّا في كتابنا المقبل .. ونكتفي هنا بأروع نماذج الرحمة تُجاهَ حِفْنةٍ من النمل:
• عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَرَصتْ نملةٌ نَبيًّا من الأنبياء، فأمَرَ بقرية النَّمل فأُحرقتْ، فأوحى اللهُ تعالى إليه: أنْ قَرَصَتْكَ نملةٌ أَحْرَقت أُمًّةً من الأمَم تُسبِّح؟! "(١).
انظروا كيف تتألَّقُ إنسانية محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ورحمته، وكيف تسمو وتُشرق!! انظروا، إن الذي يؤاخذُه الله في هذه القصَّة ويعاتُبه على تخلِّيه عن الرحمة تُجاهَ حفنةٍ من النمل، ليس فردًا عاديًّا .. بل هو نبيٌّ من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
إن الصورة على بساطتها تتضمَّن أروعَ نماذج الرحمةِ على الإطلاق، وتكشفُ عن رحمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - العَذْبة .. كما لا يُكشف شيء مثلها.
حفنةٌ من النمل، لا يدرك الناسُ لها -ولا لآلافٍ مثلِها قَدْرًا -أيَّ قَدْرَ، ترتفعُ في عين "محمد" - صلى الله عليه وسلم - إلى الحدِّ الذي يتصوَّر لها عنده قداسةٌ وحرمة!.
وتُقَدَّس حقوقها إلى الحدِّ الذي يواخَذ عنده نبيٌّ من الأنبياء؛ لأنه اعتدى عليها .. !! بل إنه حينَ يأمر بقتل حشرةٍ سامَّةٍ تفترسُ الناس بلَدْغِها .. يجعل المَهارةَ في قتلِها مرادفةً للرحمة بها .. انظروا: • قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَل وَزَغَةً في أَوَلِ ضرْبَةٍ، كُتِب له مئَةُ
(١) أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.