ينبض، أو عينٍ تَطرِف، لم تكن هناك إلاَّ جُثث هامدةٌ مبعثرةٌ هنا وهُناك، وقد كانت في أوضاع مختلفةٍ ضَيَّعها صراعُ الحياة مع الوت في أدوارٍ مختلفة.
كُنَّا لا نتكلَّمُ إلاَّ همسًا؛ حتى لا نُزعجَ هؤلاء الأشقياءَ الذين كانوا مستغرقين في نَومةِ الوت، إنَّ ما رأيناه من الناظِرِ كانت هائلةً مُفزِعةً، وكانت مُؤسِفةً مُحزنةً، وقد كانت بعضُ الجثثِ تنَتهشُها "كلاب"، وكان عند بعضها "نِسرٌ" يرفرف بجناحَيْه، وُيحاوِل أن يَطير، فلا يستطيعُ، لفرط الشَبَّع والثُّقْل.
لقد كان منظرًا مَهيبًا مُوحِشًا لا يمكن تصويرُه، وكأنَّ خَيْلَنا قد استولى عليها الذُّعْر، فكانت تَجفَلُ وتنتفخُ مناخرُها، وقد كان المحيطُ كله مُرَوِّعًا، يَغُضُّ بروائحَ مُضرةٍ تَبعثُ الأمراض" (١).
° ويُسَجِّل الشيخُ أحمد حسين المدني -أحدُ شهودِ العيان- سلوكَ الصليبيِّين الإنجليز قائلاً: "إني لا أجدُ وصْفًا أُعَبِّر به عن أعمالِ البشاعة وما فيها من خِسَّةٍ ودناءةٍ ارتكبها أهلُ الصليب، فقد أَمروا خَوَنةَ السِّيخ أن يفعلوا أفعالاً شاذَّةً قبيحةً مع المسلمين على أعْينِ الناس، وعَلَّقُوا رؤوسَ الشهداءِ وجُثَثَهم على الأشجار، وحَوَّلوا مسجد "شاه جهان" إلى مكانٍ للقمامة".
° وقال الشيخ "فضل حق خير أبادي" أحد علماء الهند الكبار: "بهذه الرُّوح الخبيثة -رُوح التَّشَفِّي والانتقام- انهالوا على "دلهي" وأهلِها يُدَمِّرون
(١) "المسلمون في الهند" لأبي الحسن الندوي (ص ٧٦ - ٧٧) -دار الفتح- دمشق.